شدائد الدارين من الحرص على الدنيا واقتراف الذنوب والغفلة عن الحق والمتقي منزه عن جميع ذلك وفي الثاني أن فيضه تعالى وجوده عام لا بخل فيه وإنما المانع من قبول فيضه هو بعد العبد عنه وعدم إستعداده له بالذنوب. فإذا اتقى منها قرب منه تعالى واستحق قبول فيضه بلا تعب ولا كلفة. فيجمع بذلك خير الدنيا والآخرة.
* الشرح (وقال أبو عبد الله (عليه السلام) ان حب الشرف والذكر) أي حب الجاه والرياسة والعزة بين الناس وحب الذكر والمدح والثناء منهم والشهرة فيهم.
(لا يكونان في قلب الخائف الراهب) لأن حب ذلك من آثار الميل إلى الدنيا وأهلها وهما منزهان عنه، وأيضا حبها من الأمراض النفسانية المهلكة والخوف والرهبة يهذبان النفس منها. ومن ثم قالوا: الخوف نار الخوف نار تحرق الوساوس والهواجس. وذكر الراهب بعد الخائف من باب ذكر الخاص بعد العام لزادة الاهتمام إذا الرهبة بمعنى الخشية وهي أخص من الخوف كما مر، وأيضا الراهب هو الخائف التارك لإشغال الدنيا وملاذها حتى حلالها والمعتزل عن أهلها والمتحمل لمشاقها ومشاق التكاليف وغيرها.
* الأصل 8 - علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين صلوات - الله عليهما قال: إن رجلا ركب البحر بأهله فكسر بهم، فلم بهم، فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل، فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة حتى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها فلم يعلم إلا والمرأة قائمة على رأسه، فرق رأسه إليها فقال: إنسية أم جنية؟ فقالت: إنسية، فلم يكلمها كلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله، فلما هم بها اضطربت، فقال لها: مالك تضطر بين؟ فقالت: أفرق من هذا - وأومأت بيدها إلى السماء - قال: فضعت من هذا شيئا؟ قالت: لا وعزته، قال: فأنت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصغي من هذا شيئا وإنما إستكرهتك إستكراها فأنا والله أولي بهذا الفرق والخوف وأحق منك.
قال: فقام ولم يحدث شيئا ورجع إلى أهله وليست له همة إلا التوبة والمراجعة، فبينا هو يمشي إذ صادفه ارهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب: ادع الله يظلنا بغامة، فقد حميت علينا الشمس، فقال الشاب: ما أعلم أن لي عند ربي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا، قال: فأدعو أنا وتؤمن أنت، قال: نعم فأقبل الراهب يدعو الشاب يؤمن، فما كان بأسرع من أن