(فقال غفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف) دل على أن ترك كبيرة واحدة مع الاقتدار عليها خوفا من الله وخالصا لوجهه موجب لغفران الذنوب كلها ولو كن حق الناس على احتمال لأن الرجل كان يقطع الطرق مع احتمال أن يكون المغفرة للخوف مع التوبة إلى الله والمراجعة إلى الناس في حقوقهم كما فيهم من قوله «وليس له همة إلا التوبة والمراجعة».
* الأصل 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن مما حفظ من خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، ألا إن المؤمن يعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه ومن دنياه لاخرته وفي الشبيبة قبل الكبر وفي الحياة قبل الممات، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب وما بعدها من دار إلا الجنة أو النار.
* الشرح قوله: (أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم) لعل المراد بها مواضع العلوم والحقايق وهي القوانين الشرعية، أو الحجج العالمون بها.
(وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم) كان المراد بها الغاية المطلوبة للإنسان وهي الكمالات الموجبة للقرب وحملها على الأجل الموعود بعيد.
(ألا إن المؤمن يعلم بين مخالفين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما لله قاض فيه) دل على أن الخوف كما يكون بالنسبة إلى ما يأتي بكون بالنسبة إلى ما مضى أيضا وتخصيصه بما يأتي وإطلاق الحزن على ما مضى اصطلاح عند قوم وهذان الخوفان يوجبان تحقق كمال الإنسان، لأن الخوف ما مضى يوجب تصميم العزم بالتوبة والاستغفار والتدارك والاعتراف بالتقصير واشتغال القلب بذكر الرب والخوف مما يأتي من احتمال المعصية والاغترار ونقصان الدرجة عن درجة الأبرار وإنقلاب القلب والغفلة وترك الطاعات يوجب الإجتهاد في اكتساب الخيرات والمبادرة إلى تحصيل الكمالات والمحافظة لأوقات العبادات، والخالي عن الخوف قاسي القلب فاسد العقل (فويل للقاسية قلوبهم أولئك في ضلال مبين» (فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه) بأن يأخذ في الدنيا من نفسه فعل الطاعات والقربات وترك المنهيات والمهويات ورفض الدنيا وأهلها ورسوم العادات، لنفسه في الآخرة (ومن دنياه لاخرته) بأن ينفع متاعها على الفقراء والمساكين وذوي الحاجات من المسلمين ولا ينسى نصيبه