من الدنيا وهي مزرعة الآخرة.
(وفي التشبيبة قبل الكبر) لأنه قد لا يصل الكبر فالتأخير مفوت للمقصود أو لان القدرة على العمل وتحمل المشاق في أيام الشباب أقوى أو لأن القوي في أيامه قوية وكما العمل تابع لقوتها.
أو لأن العمل إذ صار ملكة في أيامه سهل عليه في أيام الكبر أو لأنه ينبغي أن يكون ميول القلب في أيام إلى الطاعة والانقياد للأوامر والنواهي ليكون ما يرد على لوح نفسه من الكمالات النافعة في الآخرة (1) تسود مرآة نفسه بالملكات الردية فلم يكد يقبل بعد ذلك الإستضاءة بنور الحق فكان من الأخسرين أعمالا.
(وفي الحياة قبل الممات) لأن العمل بعد الموت منقطع كما أشار إليه بقوله:
(فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب) مستعتب مصدر على زنة المفعول طلب الرضا أو اسم فاعل على احتمال بمعنى طالبه والعتب والعتاب التوبيخ والسخط للذنب والتقصير، يقال عتب عليه عتبا من بابي صرف وقتل، وعاتبه معاتبة وعتابا أي وبخه ولامه وسخط عليه لذنبه وتقصيره والإعتاب الإزالة لكون الهمزة للسلب فهو بمعنى الرضا، يقال أعتبه إعتابا أي أزال عنه العتاب وعاد إلى مسرته ورضاه، والإستعتاب طلب الاعتاب والرضا بإزالة ما عوتب عليه والمعنى ليس بعد الدنيا من استرضاء وإقالة ذنب وقبول عذر كما قال تعالى «وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين» فالمعتب بفتح التاء المرضى أي أن يطلبوا الرضا والمسرة عنه تعالى ويستقيلوه فلا يرضى عنهم ولا يسرهم ولا يقيلهم لأن محل الإستعتاب والإعتاب والإستقاله والإقالة إنما هو الدنيا قبل حضور الموت وأما بعده فهو دار جزاء.
(وما بعدها من دار إلا الجنة أو النار) فمن أطاع ربه في الدنيا فالجنة داره ومثواه ومن عصاه فالنار منزله ومأواه. والمقصود من هذا الحديث حث المكلف على اغتنام الفرصة في زمن المهلة للإستعتاب والاعتذار والتوبة والاستغفار والإستيقاظ عن سنة الغفلة والاجتهاد ورائي الأعمال