(يقول عز وجل: «إنما يحشى الله من عباده العلماء») لابد أن نشير إلى هؤلاء العلماء وإلى العلم الذي يورث الخوف والخشية فإنا نرى كثيرا من أهل العلوم الدينية وغيرها لا يخشون من الله ويفتنون بحب الدنيا والاستكثار منها وصحبة الامراء وسلاطين الجور للجاه والمال ويميلون معهم حيث مالوا وينالون الدنيا على أي وجه اتفق ويتبعون اهداء النفس والشيطان فنقول المراد بهذا العالم العالم الرباني وهو الذي علم عظمة الله وجلاله وعزه وقهره لاعلى وجه الإعتقاد فقط بل على وجه يحيط نور العلم ظاهر القلب وباطنه بحيث يمنعه من التوجه إلى الدنيا وما فيها فضلا عن الوسائط إليها ويزجره عن متابعة النفس الامارة في هواها ورداها فإن هذا العلم هو الذي يورث الخشية وثمرته التقوى والورع وسائر الاخلاق النفسانية والعمل بعلم كتاب الله وسنة رسول الله، والإعراض عن الدنيا وأهلها ويرشد إلى ما ذكر ما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال «أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية» فإنه كالمفسر للعلم والعالم الخاشي لله والمخصص لهما (1) وقال المحقق الطوسي في أوصاف الأشراف أن الخوف والخشية وان كانا بمعنى واحد في اللغة إلا أن بينهما فرقا بين أرباب القلوب وهو أن الخوف تألم النفس من المكروه المنتظر والعقاب المتوقع بسبب احتمال فعل المنهيات وترك الطاعات. والخشية حالة نفسانية تنشأ من الشعور بعظمة الرب وهيبته وخوف الحجب عنه بسبب الوقوف على نقصانه وتقصيره في أداه حق العبودية ورعاية الأدب فهي خوف خاص وإليه يرشد قوله تعالى (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب» والرهبة قريب من الخشية.
أقول: ولعل المقصود من الخشية هنا المعنى اللغوي بدليل الاستشهاد بالآية (فلا تخشوا الناس واخشون» دل على أن الخشية وهي شدة الخوف عبادة لأن الله تعالى أمر بها كالآية السابقة إلا أن الامر فيها وقع ضمنا، ثم من خشي الله يخشاه الناس فكنا الله من خشيتهم لما مر (ومن يتق الله يجعل له مخرجا» التقوى على مراتب الأولى التبري عن الكفر والشك وهي تحصل بالشهادتين، وثانيها التجنب عما يوثم، وثالثها التنزه عما يشغل القلب عن الحق وبناء الكل على الخوف من العقوبة والبعد من الحق، ولعل المراد هنا أحدى الأخريين مع احتمال الأولى بعيدا أي ومن يتق الله خوفا منه يجعل له مخرجا من شدائد الدنيا والآخرة كما نقل عن ابن عباس، أو من ضيق المعاش كما يشعر به قوله تعالى (ويرزقه من حيث لا يحتسب» وكان السر في الأول أن