شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٢٢٠
(يقول عز وجل: «إنما يحشى الله من عباده العلماء») لابد أن نشير إلى هؤلاء العلماء وإلى العلم الذي يورث الخوف والخشية فإنا نرى كثيرا من أهل العلوم الدينية وغيرها لا يخشون من الله ويفتنون بحب الدنيا والاستكثار منها وصحبة الامراء وسلاطين الجور للجاه والمال ويميلون معهم حيث مالوا وينالون الدنيا على أي وجه اتفق ويتبعون اهداء النفس والشيطان فنقول المراد بهذا العالم العالم الرباني وهو الذي علم عظمة الله وجلاله وعزه وقهره لاعلى وجه الإعتقاد فقط بل على وجه يحيط نور العلم ظاهر القلب وباطنه بحيث يمنعه من التوجه إلى الدنيا وما فيها فضلا عن الوسائط إليها ويزجره عن متابعة النفس الامارة في هواها ورداها فإن هذا العلم هو الذي يورث الخشية وثمرته التقوى والورع وسائر الاخلاق النفسانية والعمل بعلم كتاب الله وسنة رسول الله، والإعراض عن الدنيا وأهلها ويرشد إلى ما ذكر ما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال «أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية» فإنه كالمفسر للعلم والعالم الخاشي لله والمخصص لهما (1) وقال المحقق الطوسي في أوصاف الأشراف أن الخوف والخشية وان كانا بمعنى واحد في اللغة إلا أن بينهما فرقا بين أرباب القلوب وهو أن الخوف تألم النفس من المكروه المنتظر والعقاب المتوقع بسبب احتمال فعل المنهيات وترك الطاعات. والخشية حالة نفسانية تنشأ من الشعور بعظمة الرب وهيبته وخوف الحجب عنه بسبب الوقوف على نقصانه وتقصيره في أداه حق العبودية ورعاية الأدب فهي خوف خاص وإليه يرشد قوله تعالى (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب» والرهبة قريب من الخشية.
أقول: ولعل المقصود من الخشية هنا المعنى اللغوي بدليل الاستشهاد بالآية (فلا تخشوا الناس واخشون» دل على أن الخشية وهي شدة الخوف عبادة لأن الله تعالى أمر بها كالآية السابقة إلا أن الامر فيها وقع ضمنا، ثم من خشي الله يخشاه الناس فكنا الله من خشيتهم لما مر (ومن يتق الله يجعل له مخرجا» التقوى على مراتب الأولى التبري عن الكفر والشك وهي تحصل بالشهادتين، وثانيها التجنب عما يوثم، وثالثها التنزه عما يشغل القلب عن الحق وبناء الكل على الخوف من العقوبة والبعد من الحق، ولعل المراد هنا أحدى الأخريين مع احتمال الأولى بعيدا أي ومن يتق الله خوفا منه يجعل له مخرجا من شدائد الدنيا والآخرة كما نقل عن ابن عباس، أو من ضيق المعاش كما يشعر به قوله تعالى (ويرزقه من حيث لا يحتسب» وكان السر في الأول أن

1 - قوله «والمخصص لهما» عطف على المفسر أي هذا الحديث مفسر للعلم والعالم ومخصص لهما بالعلم الموجب للخشية والعالم الخاشي. (ش)
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب طينة المؤمن والكافر 3
2 باب آخر منه 15
3 باب آخر منه 21
4 باب 32
5 باب 35
6 باب 36
7 باب 42
8 باب 43
9 باب 44
10 باب 46
11 باب الإخلاص 49
12 باب الشرائع 57
13 باب دعائم الإسلام 61
14 باب 74
15 باب آخر منه 85
16 باب 87
17 باب 101
18 باب السبق إلى الإيمان 121
19 باب درجات الإيمان 130
20 باب آخر منه 135
21 باب نسبة الإسلام 138
22 باب خصال المؤمن 143
23 باب 151
24 باب صفة الإيمان 159
25 باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان 163
26 باب حقيقة الإيمان واليقين 168
27 باب التفكر 174
28 باب المكارم 178
29 باب فضل اليقين 186
30 باب الرضا بالقضاء 196
31 باب 206
32 باب حسن الظن بالله عز وجل 227
33 باب الطاعة والتقوى 235
34 باب العفة 251
35 باب اجتناب المحارم 253
36 باب أداء الفرائض 257
37 باب استواء العمل والمداومة عليه 259
38 باب العبادة 261
39 باب النية 265
40 باب 269
41 باب الإقتصاد في العبادة 271
42 باب 274
43 باب الصبر 277
44 باب الشكر 291
45 باب حسن الخلق 303
46 باب حسن البشر 312
47 باب الحياء 317
48 باب العفو 319
49 باب كظم الغيظ 323
50 باب الحلم 328
51 باب الصمت وحفظ اللسان 333
52 باب المداراة 343
53 باب الرفق 347
54 باب التواضع 354
55 باب 363
56 باب ذم الدنيا والزهد فيها 372
57 باب باب القناعة 407
58 باب الكفاف 412
59 باب تعجيل فعل الخير 415
60 باب الإنصاف والعدل 419
61 استدراك 428