واجراء نعمه عليهم ظاهره وباطنة، جلية وخفية، ضرورية وغير ضرورية حين كونهم أجنة في بطون أمهاتهم بلا سبق استحقاق ولا تقدم إستيهال والتفكر في غنائه عن عبادتهم وتعذيبهم مع عجزهم ومسكنتهم وفقرهم وحاجتهم إليه وذلهم بين يديه، ومن استقرت في قلبه هذه المعارف حصل له الرجاء بنيل الثواب والمغفرة والرحمة، وثمرته الإتيان بما يوجب الوصول إليها كما أن ثمرة الخوف من العقوبة ترك ما يوجب الورود عليها.
(ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء) لأن المؤمن لا يخلو من تصور أسباب الخوف والرجاء وتجويز وقوع مقتضى كل واحد منهما بدلا من الاخر وانتهاء سيره إلى القرب كأهل الايقان، أو إلى العبد كأهل الحرمان بحيث لا يرجع أحدهما على الاخر إذا لو رجح الرجاء لزم الامن لا في موضعه (أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) ولو راجح الخوف لزم اليأس الموجب للهلاك (أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» ومنه ظهر أن الخوف غير القنوط وأنه والرجاء ينبغي أن يكونا متساويين مطلقا وقد ذهب إليه أيضا بعض العامة.
وقال عياض عبادة الله بين أصلين الرجاء والخوف، ويستحب أن يغلب في حال الصحة الخوف فإذا زاد في الاجل أو انقطع الاجل يستحب أن يغلب الرجاء ليلقى الله على حالة هي أحب إليه إذ هو الله سبحانه الرحمن الرحيم ويحب الرضا ولا يغلب الخوف حينئذ خشية أن يقنط فيهلك وفيه أن الدليل لو تم لدل على رجحان الرجاء قبل الاجل أيضا ولم يقل به، والتعليل لعدم غلبة الخوف عند الاجل دل على عدم غلبته أيضا قبله، وقد قال بخلافه وقيل ينبغي أن يغلب الخوف ليكف عن المخالفات ويكثر من الطاعات، فإذا دنت أمارات الموت ينبغي أن يغلب الرجاء لأن ثمرة الخوف وهي الإنكفاف والاكثار في الطاعة تعذرت حينئذ وهو قريب مما ذكر. وقال الابي في كتاب الكمال الإكمال مقامات الصالحين عند الاحتضار تختلف، فعن بعضهم أن قال لابنه يا بني حدثني عن الرخص لعلى ألقى الله وأنا أحسن الظن به، وعن بعضهم أنه رجى حين إحتضر، وقيل له تقدم على غفور رحيم فقال أفلا تقولون لي تقدم على شديد العقاب يعاقب على الكبيرة ويؤاخذ بالصغيرة، وهذا بحسب مقامات الخوف بقي شيء وهو أنه قال بعض الأفضل الخوف ليس من الفضائل والكمالات العقلية في النشأة الآخرة، وإنما هو من الامر النافعة للنفس في الهرب عن المعاصي، وفعل الطاعات ما دامت في دار العمل، وأما عند انقضاء الاجل والخروج من الدنيا ألتي هي دار العمل فائدة فيه، وأما الرجاء فإنه باق أبدا إلى يوم القيامة لا ينقطع لأنه كلما نال العبد من رحمة الله أكثر كان ازدياد طعمه فيما عند الله أعظم وأشد لأن خزائن جوده وخيره ورحمته غير متناهية لا تبيد ولا تنقص فثبت أن الخوف منقطع والرجاء أبدا لا ينقطع، وفيه نظر لأن الظاهر أن