أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟! أو ليس الجود والكرم لي؟! أو ليس العفو والرحمة بيدي؟! ليس أنا محل الآمال؟! فمن يقطعها دوني؟! أفلا يخشي المؤملون أن يؤملوا غيري، فلو أن أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة وكيف ينقص ملك أنا قيمته، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني.
* الشرح قوله: (وعزتي وجلالي ومجدي وإرتفاعي على عرشي) العزة الشدة والقوة والغلبة والسلطنة والملك والجلال والعظمة. والمجد لشرف والكرم الواسع، والإرتفاع كناية عن الاستيلاء على جميع الممكنات والاستعلاء على جميع المخلوقات والإحاطة علما وقدرة بها لكون العرش محيطا بجميعها.
(لا قطعن أمل كل مؤمن من الناس غيري باليأس ولا كسونه ثوب المذلة عند الناس ولا نحينه من قربي ولأبعدنه من فضلى) باليأس متعلق بقوله لا قطعن، وفيه وعيد على كل من مؤمل غيره تعالى في المقاصد بأمور أربعة:
الأول: الياس من حصول مأموله غالبا أو إلا بإذنه تعالى بقرينة ما سيجيء.
الثاني: إحاطة المذلة به وإضافة الثوب إليها من باب إضافة المشبه به إلى المشبه، والكسوة ترشيح للتشبيه.
والثالث: تبعيده أو ابعاده من قرب رحمته.
والرابع: تبعيده من إحسانه وإفضاله، وكل ذلك يوجب خسرانه في الدنيا والآخرة.
(أيؤمل غيري في الشدائد؟! والشدائد بيدي) ذكر اليد مجاز في بيان أن الشدائد تحت قدرته لا قدرة غيره وقد جرت الحكمة على أن يختبر الله تعالى عبده في الدنيا بالشدائد ليرجع إليه ويتضرع بين يديه في دفعها فإذا رجع إلى غيره مع كون الشدائد بيد ذلك الغير كان ذلك موجبا للتوبيخ والإنكار.
(ويقرع بالفكر باب غيري) تشبيه الفكر باليد مكنية واثبات القرع لها تخييلية، وذكر الباب ترشيح، والمقصود ذمته بصرف قلبه وفكره عند الحاجة إلى غيره تعالى.
(وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة) أي أبواب الحاجات مغلقة ومفاتيحها بيده تعالى وهو استعارة على سبيل التمثيل للتنبيه على أن قضاء الحاجة المرفوعة إلى الخلق لا يتحقق إلا بإذنه أن شاء أن به وإن شاء لم يأذن.