وتمسكه بالعز الأوفر وهو اللجأ إلى الله. ومعنى التوكل على الله هو الرجوع إليه والاعتماد عليه والثقة بكفايته، ويمكن أن يقال توكل العبد فيما ينبغي أو يفعله أو يتركه من أمر الدنيا والآخرة هو الاعتماد على الله والثقة بكفايته، والتمسك بحوله وقوته وترقب التوفيق والإعانة منه دون الاعتماد على نفسه وحوله وقوته وقدرته وعلمه وما يظنه من الأسباب الضرورية والعادية وغيرها لا ترك وظائفه وعمله وأسباب في جلب المناقع ودفع المضار، ومن ثم اشتهر أن التمسك بالأسباب لا ينافي التوكل وفيما يجري عليه من غيره سواء كان من قبل الله أو من قبل غيره هو تفويض نفسه وأمره إلى الله توقعا من أن يرد عليه ما هو خير له والمعلوم أنه لا يرد عليه بعد ذلك إلا ما هو خير له في الدنيا والآخرة فعليه حينئذ القيام بمقام الرضا بالقضاء وهذا أقصى مراتب الكمال، وقال المحقق الطوسي المراد بالتوكل أن يوكل العبد جميع ما يصدر عنه ويرى عليه إلى الله تعالى لعلمه بأنه أقوى وأقدر ويفعل ما قدر عليه على وجه أحسن وأكمل ثم يرضى بما فعل وهو مع ذلك يسعى ويجتهد فيما وكله إليه ويعد نفسه وعلمه وقدرته وإرادته من الأسباب والشروط المخصصة لتعلق قدرته تعالى وأرادته لما صنعه بالنسبة إليه، ومن ذلك يظهر سر لاجبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين. وان أردت زيادة التوضيح فارجع إلى كلامه في أوصاف الاشراف.
* الأصل 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما عبد أقبل قبل ما يحب عز وجل أقبل الله قبل ما يحب ومن اعتصم بالله عصمه الله ومن أقبل الله قبله وعصمه لم يبال لو سقط السماء على الأرض أو كانت نازلة نزلت على أهل الأرض فشملتهم بلية، كان في حزب الله بالتقوي من كل بلية، أليس الله عز وجل يقول: (إن المتقين في مقام أمين).
* الشرح قوله: (أيما عبد أقبل قبل ما يحب الله عز وجل أقبل الله قبل ما يجب) يقال أقبل قبلك أي قصد قصدك وتوجه إليك، وجعلك قبالة وجهه وتلقاءه، والمراد باقبال العبد نحو ما يحبه الله قصده والإتيان به طلبا لرضاه، وبإقبال الله نحو ما يحبه العبد إفاضة ما يسر به قلبه وتقربه عينه.
(ومن اعتصم بالله عصمه الله) من الضياع والحاجة كما اعتصم به مؤمن آل فرعون بقوله (وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد» فلجأ من شر فرعون وجنوده إليه سبحانه واعتصم به فوقاه الله سيئات ما مكروا، واعتصم به يونس (عليه السلام) في الظلمات بقوله (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» فلجأ من غضبه إليه إليه واعتصم به فأقبل الله إليه بالقبول وعصمه بقوله: