يحلق الناس بعرفات والحال على ما وصفناه، إلا أن مراتب الناس تتفاضل في الفضل والوثاب فمن أدرك يوم التروية عند زوال الشمس يكون ثوابه أكثر ومتعته أكمل ممن يلحق بالليل، ومن أدرك بالليل يكون ثوابه دون ذلك وفوق من يلحق يوم عرفة إلى بعد الزوال، والاخبار التي وردت في أن من لم يدرك يوم التروية فقد فاتته المتعة المراد بها فوت الكمال الذي كان يرجوه بلحوقه يوم التروية وما تضمنت من قولهم عليهم السلام وليجعلها حجة مفردة إنما يتوجه إلى من يغلب على ظنه أنه اشتغل بالطواف والسعي والاحلال ثم الاحرام بالحج يفوته الموقفان ومتى حملنا هذه الأخبار على ما ذكرناه لم يكن طرحنا شيئا منها، يدل على هذا التأويل:
[879] 20 - ما رواه ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعا ثم قدم مكة والناس بعرفات فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف؟ فقال: يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه.
[880] 21 - عنه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون في يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال: يقطع التلبية تلبية المتعة ويهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم ولا شئ عليه.
ألا ترى أنه وجه الخطاب في الخبر الأول إلى من خشي فوت الموقف وفي الخبر الثاني إلى من يكون بينه وبين مكة ثلاثة أميال ومعلوم أن من هذه صورته لا يمكنه دخول مكة والاشتغال بالاحلال والاحرام بعد ذلك ولحوق الناس بعرفات