فلولا أن كل هذه الوجوه قد كان يؤذن بها (1) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك، وكان الاذان بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعه عليه السلام إذ حج، ثم يسمعه أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، بعده عليه السلام، وسكنها أمير المؤمنين ابن الزبير تسع سنين وهو بقية الصحابة، والعمال من قبله بالمدينة والكوفة: فمن الباطل الممتنع المحال الذي لا يحل أن يظن بهم رضي الله عنهم أن أهل مكة بدلوا الاذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم أو بلغه والخلافة بيده: فلم يغير، هذا ما لا يظنه مسلم، ولو جاز ذلك لجاز بحضرتهم بالمدينة ولا فرق، * وكذلك فتحت الكوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضي الله عنهم وتداولها عمال عمر بن الخطاب، وعمال عثمان رضي الله عنهما، كأبي موسى الأشعري، وابن مسعود، وعمار، والمغيرة، وسعد بن أبي وقاص، ولم تزل الصحابة الخارجون عن الكوفة يؤذنون في كل يوم سفرهم (2) خمس مرات، إلى أن بنوها وسكنوها، فمن الباطل المحال أن يحال (3) الاذان بحضرة من ذكرنا ويخفى ذلك على عمر وعثمان، أو يعلمه أحدهما فيقره ولا ينكره * ثم سكن الكوفة علي بن أبي طالب إلى أن مات ونفذ العمال من قبله إلى مكة والمدينة، ثم الحسن ابنه رضي الله عنه، إلى أن سلم الامر لمعاوية رحمه الله تعالى، فمن المحال أن يغير الاذان ولا ينكر تغيره على والحسن ولو جاز ذلك على على لجاز مثله على أبي بكر وعمر وعثمان، وحاشا لهم من هذا، فما يظن هذا بهم ولا بأحد منهم مسلم أصلا * فان قالوا: ليس أذان مكة ولا أذان الكوفة نقل كافة. قيل لهم: فان قالوا لكم: بل أذان أهل المدينة ليس هو نقل كافة فما الفرق؟ فان ادعوا في هذا
(١٥٤)