إنما هلكهم بسبب ظلمهم، وأقول في هذا المقام اللهم أهلك الظالمين وطهر وجه الأرض منهم فقد عظمت فتنتهم وكثر شرهم، ولا يقدر أحد على دفعهم إلا أنت، فادفع يا قهار يا جبار يا منتقم.
* (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون * الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) *.
اعلم أنه تعالى لما وصف كل الكفار بقوله: * (وكل كانوا ظالمين) * أفرد بعضهم بمزية في الشر والعناد. فقال: * (إن شر الدواب عند الله) * أي في حكمه وعلمه من حصلت له صفتان:
الصفة الأولى: الكافر الذي يكون مستمرا على كفره مصرا عليه لا يتغير عنه البتة.
الصفة الثانية: أن يكون ناقضا للعهد على الدوام فقوله: * (الذين عاهدت منهم) * بدل من قوله: * (الذين كفروا) * أي الذين عاهدت من الذين كفروا وهم شر الدواب وقوله: * (منهم) * لتبعيض فإن المعاهدة إنما تكون مع أشرافهم وقوله: * (ثم ينقضون عهدهم في كل مرة) * قال أهل المعاني إنما عطف المستقبل على الماضي، لبيان أن من شأنهم نقض العهد مرة بعد مرة. قال ابن عباس: هم قريظة فإنهم نقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعانوا عليه المشركين بالسلاح في يوم بدر، ثم قالوا: أخطأنا فعاهدهم مرة أخرى فنقضوه أيضا يوم الخندق، وقوله: * (وهم لا يتقون) * معناه أن عادة من رجع إلى عقل وحزم أن يتقي نقض العهد حتى يسكن الناس إلى قوله ويثقوا بكلامه، فبين تعالى أن من جمع بين الكفر الدائم وبين نقض العهد على هذا الوجه كان شر الدواب.
* (فإما تثقفنهم فى الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون * وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سوآء إن الله لا يحب الخائنين * ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون) *.
اعلم أنه تعالى تارة يرشد رسوله إلى الرفق واللطف في آيات كثيرة. منها قوله: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * (الأنبياء: 107) ومنها قوله: * (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) * (آل عمران: 159) وتارة يرشد إلى التغليظ