اختصارا لندرة وقوعه فيصح لقط رقيق غير مميز أو مميز زمن نهب بخلاف زمن الامن لأنه يستدل به على سيده فيصل إليه، ومحل ذلك في الأمة إذا التقطها للحفظ أو للتملك ولم تحل له كمجوسية ومحرم بخلاف من تحل له لأن تملك اللقطة كالاقتراض، وينفق على الرقيق مدة الحفظ من كسبه فإن لم يكن له كسب فإن تبرع بالانفاق عليه فذاك، وإن أراد الرجوع فلينفق بإذن الحاكم. فإن لم يجده أشهد وإذا بيع ثم ظهر المالك وقال: كنت أعتقته قبل قوله وحكم بفساد البيع.
وأما غير الآدمي وعليه اقتصر المصنف لغلبة وقوله فأشار إليه بقوله: (وهو ضربان) الأول (حيوان لا يمتنع بنفسه) من صغار السباع كشاة وعجل وفصيل والكسير من الإبل والخيل ونحو ذلك مما إذا تركه يضيع بكاسر من السباع أو بخائن من الناس، فإن وجده بمفازة (فهو مخير) فيه (بين) تملكه ثم (أكله وغرم ثمنه) لمالكه (أو تركه) أي إمساكه عنده (والتطوع بالانفاق عليه) إن شاء، فإن لم يتطوع وأراد الرجوع فلينفق بإذن الحاكم، فإن لم يجده أشهد كما مر في الرقيق (أو بيعه) بثمن مثله (وحفظ ثمنه) لمالكه ويعرفها ثم يتملك الثمن. وخرج بقيد المفازة العمران فإذا وجده فيه فله الامساك مع التعريف وله البيع والتعريف وتملك الثمن، وليس له أكله وغرم ثمنه على الأظهر لسهولة البيع في العمران بخلاف المفازة فقد لا يجد فيها من يشتري ويشق النقل إليه والخصلة الأولى من الثلاث عند استوائها في الاحظية أولى من الثانية، والثانية أولى من الثالثة.
وزاد الماوردي خصلة رابعة وهي أن يتملكه في الحال ليستبقيه حيا لدر أو نسل، قال: لأنه لما استباح تملكه مع استهلاكه فأولى أن يستبيح تملكه مع استبقائه هذا كله في الحيوان المأكول، فأما غيره كالجحش وصغار ما لا يؤكل ففيه الخصلتان الأخيرتان ولا يجوز تملكه حتى يعرفه سنة على العادة.
(و) الضرب الثاني (حيوان يمتنع) من صغار السباع كذئب ونمر وفهد (بنفسه) إما بفضل قوة كالإبل والخيل والبغال والحمير، وإما بشدة عدوه كالأرنب والظباء المملوكة، وإما بطيرانه كالحمام (فإن وجده) الملتقط (في الصحراء) الآمنة وأراد أخذه للتملك لم يجز. و (تركه) وجوبا لأنه مصون بالامتناع من أكثر السباع مستغن بالرعي إلى أن يجده صاحبه لطلبه له، ولان طروق الناس فيها لا يعم فيمن أخذه للتملك ضمنه ويبرأ من الضمان بدفعه إلى القاضي لا برده إلى موضعه، وخرج بقيد التملك إرادة أخذه للحفظ فيجوز للحاكم ونوابه وكذا للآحاد على الأصح في الروضة لئلا يضيع بأخذ خائن. وخرج بقيد الآمنة ما لو كان في صحراء زمن نهب فيجوز لقطه للتملك لأنه حينئذ يضيع بامتداد اليد الخائنة إليه (وإن وجده في الحضر) ببلدة أو قرية أو قريب منهما كان له أخذه للتملك وحينئذ (فهو مخير) فيه (بين الأشياء الثلاثة) التي تقدم ذكرها قريبا (فيه) أي الضرب الرابع في الكلام على الضرب الأول منه، وهو الذي لا يمتنع فأغنى عن إعادتها هنا وإنما جاز أخذ هذا الحيوان في العمران دون الصحراء الآمنة للتملك لئلا يضيع بامتداد الأيدي الخائنة إليه بخلاف الصحراء الآمنة فإن طروق الناس بها نادر.
تتمة: لا يحل لقط حرم مكة إلا لحفظ، فلا يحل إن لقط للتملك أو أطلق ويجب تعريف ما التقطه للحفظ لخبر: إن هذا البلد حرمه الله تعالى لا يلتقط لقطته إلا من عرفها ويلزم اللاقط الإقامة للتعريف أو دفعها إلى الحاكم، والسر في ذلك أن حرم مكة مثابة للناس يعودون إليه مرة بعد الأخرى، فربما يعود مالكها من أجلها أو يبعث في طلبها فكأنه جعل ماله