وضابطه أن يهيئ الأرض لما يريده، فيعتبر في مسكن تحويط البقعة بأجر أو لبن أو طين أو ألواح خشب بحسب العادة، ونصب باب وسقف بعض البقعة ليهيئها للسكنى. وفي زريبة للدواب أو غيرها كثمار وغلال التحويط ونصب الباب لا السقف عملا بالعادة، ولا يكفي التحويط بنصب سعف أو أحجار من غير بناء. وفي مزرعة جمع نحو تراب كقصب وشوك وحولها لينفصل المحيا عن غيره، وتسويتها بطم منخفض وكسح مستعل ويعتبر حرثها إن لم تزرع إلا به، فإن لم يتيسر. إلا بما يساق إليها فلا بد منه لتتهيأ للزراعة وتهيئة ماء لها إن لم يكفها مطر معتاد، وفي بستان تحويط ولو بجمع تراب حول أرضه وتهيئة ماء له بحسب العادة وغرس ليقع على الأرض اسم البستان. ومن شرع في إحياء ما يقدر على إحيائه ولم يزد على كفايته، أو نصب عليه علامة كنصب أحجار أو أقطعه له إمام فمتحجر لذلك القدر وهو مستحق له دون غيره، ولكن لو أحياه آخر ملكه ولو طالت عرفا مدة تحجره بلا عذر ولم يحيي قال له الإمام: أحيي أو اترك، فإن استمهل بعذر أمهل مدة قريبة.
تنبيه: من أحيا مواتا فظهر فيه معدن ظاهر وهو ما يخرج بلا علاج كنفط وكبريت وقار وموميا، أو معدن باطن وهو ما لا يخرج إلا بعلاج كذهب وفضة وحديد ملكه لأنه من أجزاء الأرض وقد ملكها بالاحياء. وخرج بظهوره ما لو علمه قبل الاحياء فإنه إنما يملك المعدن الباطن دون الظاهر كما رجحه ابن الرفعة وغيره أوقر النووي عليه صاحب التنبيه. أما بقعتهما فلا يملكها بإحيائها مع علمه بهما لفساد قصده لأن المعدن لا يتخذ دارا ولا بستانا ولا مزرعة أو نحوها، والمياه المباحة من الأودية كالنيل والفرات والعيون في الجبال وغيرها وسيول الأمطار يستوي الناس فيها لخبر: الناس شركاء في ثلاثة في الماء والكلأ والنار فلا يجوز لاحد تحجرها ولا للإمام إقطاعها بالاجماع، فإن أراد قوم سقي أراضيهم من المياه المباحة فضاق الماء عنهم سقى الاعلى فالأعلى، وحبس كل منهم الماء حتى يبلغ الكعبين لأنه (ص) قضى بذلك، فإن كان في أرض ارتفاع وانخفاض أفرد كل طرف بسقي وأما أخذ من هذا الماء المباح في إناء أو بركة أو حفرة أو نحو ذلك ملك على الأصح كالاحتطاب والاحتشاش. وحكى ابن المنذر فيه الاجماع، وحافر بئر بموات لا للتمليك بل للارتفاق بها لنفسه مدة إقامته هناك أولى بها من غيره حتى يرتحل لحديث: من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به والبئر المحفورة في الموات للتملك أو في ملكه يملك الحافر ماءها لأنها نماء ملكه كالثمرة واللبن. القول في شروط بذل الماء (ويجب) عليه (بذل الماء بثلاثة شرائط) بل بستة كما ستعرفه) الأول (أن يفضل عن حاجته) لنفسه وماشيته وشجره وزرعه (و) الشرط الثاني (أن يحتاج إليه غيره لنفسه) فيجب بذل الفاضل منه عن شربه لشرب غيره المحترم من الآدميين وقوله: (أو لبهيمته) أي: ويجب بذل ما فضل عن ماشيته وزرعه لبهيمة غيره المحترمة لخبر الصحيحين: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ.
تنبيه: أطلق المصنف الحاجة وقيدها الماوردي بالناجزة، وقال: فلو فضل عنه الآن واحتاج إليه في ثاني الحال وجب بذله لأنه يستخلف، وخرج بقيد المحترم غير كالزاني المحصن وتارك الصلاة وكذا تارك الوضوء في الأصح في الروضة والمرتد والحربي لأنه يستخلف، وخرج بقيد المحترم غيره كالزاني المحصن وتارك الصلاة وكذا تارك الوضوء في الأصح في الروضة والمرتد والحربي والكلب العقور والبهيمة المأكولة إذا وطئت محترمة، فإن الأصح أنها لا تذبح فيجب البذل لها. (و) الشرط الثالث (أن يكون) الماء الفاضل عما تقدم (مما يستخلف) بالبناء للمفعول أي يخلفه ماء غيره في بئر أو عين) في جبل أو غيره،