أتلف أهل البغي على أهل العدل ففيه قولان (أحدهما) يجب عليه الضمان لأنه أتلف عليه بعدوان فوجب عليه الضمان، كما لو أتلف عليه في غير القتال (والثاني) لا يجب عليه الضمان وهو الصحيح، لما روى عن الزهري أنه قال (كانت الفتنة العظمى بين الناس وفيهم البدريون، فأجمعوا على أن لا يقام حد على رجل ارتكب فرجا حراما بتأويل القرآن، ولا يقتل رجل سفك دما حراما بتأويل القرآن، ولا يغرم مالا أتلفه بتأويل القرآن) ولأنها طائفة ممتنعة بالحرب بتأويل فلم تضمن ما تتلف على الأخرى بحكم الحرب كأهل العدل. ومن أصحابنا من قال: القولان في غير القصاص، فأما القصاص فلا يجب قولا واحدا لأنه يسقط بالشبهة ولهم في القتل شبهة.
(فصل) وان استعان أهل البغي بأهل الحرب في القتال وعقدوا لهم أمانا أو ذمة بشرط المعاونة لم ينعقد، لان من شرط الذمة والأمان أن لا يقاتلوا المسلمين فلم ينعقد على شرط القتال، فإن عاونوهم جاز لأهل العدل قتلهم مدبرين وجاز أن يذفف على جريحهم، وان أسروا جاز قتلهم واسترقاقهم والمن عليهم والمفاداة لهم لأنه لا عهد له ولا ذمة فصاروا كما لو جاءوا منفردين عن أهل البغي ولا يجوز شئ من ذلك لمن عاونهم من أهل البغي لأنهم بذلوا الهم الذمة والأمان فلزمهم الوفاء به، وان استعانوا بأهل الذمة فعاونوهم نظرت فإن قالوا كنا مكرهين أو ظنا انه يجوز أن نعاونهم عليكم كما يجوز أن نعاونكم عليهم لم تنتقض الذمة لان ما ادعوه محتمل فلا يجوز نقص العقد مع الشبهة وان قاتلوا معهم عالمين من غير اكراه، فإن كان قد شرط عليهم ترك المعاونة في عقد الذمة انتقض العهد لأنه زال شرط الذمة، وإن لم يشترط ذلك ففيه قولان.
(أحدهما) ينتقض كما لو لو انفردوا بالقتال لأهل العدل (والثاني) لا ينتقض لأنهم قاتلوا تابعين لأهل البغي، فإذا قلنا لا ينتقض عهدهم كانوا في القتال كأهل البغي لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم، وان أتلفوا نفسا أو مالا في الحرب لزمهم الضمان قولا واحدا، والفرق بينهم وبين أهل البغي أن في تضمين أهل البغي تنفيرا عن الرجوع إلى الطاعة، فسقط عنهم الضمان في أحد القولين ولا يخاف تنفير أهل الذمة لأنا قد أمناهم على هذا القول، وإن استعانوا بمن له