السحر على وجوه شتى منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء و كذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة ولكل عافية عاهة ولكل معنى حيلة، ونوع آخر منه خطفة وسرعة ومخاريق وخفة. ونوع منه ما تأخذه أولياء الشياطين منهم.
قال: فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال: من حيث علم الأطباء الطب، بعضه بتجربة وبعضه بعلاج، قال: فما تقول في الملكين هاروت وماروت وما يقول الناس بأنهما يعلمان السحر؟ قال: إنما هما موضع ابتلاء وموقف فتنة تسبيحهما: اليوم لو فعل الانسان كذا وكذا لكان كذا ولو تعالج بكذا وكذا لصار كذا، فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم. قال: أفيقدر الساحر على أن يجعل الانسان بسحرة في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟ قال: هو أعجز من ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله، إن من أبطل ما ركبه الله تعالى وصور غيره فهو شريك الله في خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصف لدفع عن نفسه الهرم والآفة والأمراض، ولنفي البياض عن رأسه، والفقر عن ساحته، وإن من أكبر السحر النميمة يفرق بين المتحابين، ويجلب بها العداوة على المتصافيين، و يسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور، ويكشف بها الستور، والنمام شر من وطئ الأرض بقدم فأقرب أقاويل السحر من الصواب إنه بمنزلة الطب إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاءه الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرء - الحديث (1) ".
ويمكن أن يقال: إن صح السند في هذه الرواية أو حصل الاطمينان بصدورها من المعصوم من جهة بأنه من البعيد جدا صدور هذا الكلام من غير المعصوم فهو وإلا ففيما ذكر في غير الأقسام الأربعة المذكورة من التفصيل بين ما يضر وما لا يضر وعد ما ذكر من الاضرار لا يخلو عن الاشكال فإنه قد تقع المزاحمة من جهة ضرر آخر فلا بد بعد التزاحم من دفع أقوى الضررين إلا أن يكون النظر إلى غير صورة المزاحمة. وأما عد صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى إرادته من الضرر