ابن يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة المغلّظة انه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فمازلت أشاحّه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السّلام من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها الى حجرتي التي كنت آوي اليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها عليه السّلام من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدّها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟
قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، اعرني سمعك وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب الى وصي المسيح شمعون، أنبّئك العجب العجيب: ان جدي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجواهر الى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه واحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الانجيل، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوّضت الأعمدة فانهارت الى القرار، وخرّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه، فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي: أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطيّر جدي من ذلك تطيراً شديداً، وقال للأساقفه: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبّر العاثر المنكوس جدّه لأزوّج