الكريم على معناه الذي اقتضاه لفظه من مدلول الخطاب وفسره بما تناوله من معانيه المراد به، فقد أصاب سنن الصواب، ومن صدف عن ذلك وصرفه عن مدلوله ومقتضاه وحمله على غير ما أريد به ما يوافق هواه وتأويله بما يضل به عن نهج هداه معتقداً ان محمله الذي ادعاه، ومقصده الذي افتراه هو المدلول الذي أراده اللَّه، فقد ألحد في القرآن حيث مال به عن مدلوله ووضعه غير موضعه وأثبت به ما لا يحل اثباته، وخالف فيه أئمة الهدى واتبع دواعي الهوى، فيتعين قتاله إن أصر على ضلالته، وداوم على مخالفته، واستمر في جهالته وتمادى في مقالته إلى أن يفي ء إلى أمر اللَّه تعالى وطاعته، ولهذا جعل رسوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم القتال على تأويله كالقتال على تنزيله، فقد ظهر مناط القتال على التأويل كما ظهر مناط القتال على التنزيل، وقد اشترك الا مران في أن كلًا منهما قتال مبطل ضال ليرجع عن ابطاله وضلالته، وافترقا في ان الجريمة الصادرة من المقاتلين على التنزيل أعظم وأشد من الجريمة الصادرة من المقاتلين على التأويل، فلهذا كانت المقاتلة على اعظم الجريمتين مختصة بالنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ومنصب النبوة، فقام بها صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ودعى اليها وقاتل الذين كفروا حتى آمنوا، وكانت المقاتلة على جريمة التأويل التي هي دون الجريمة الأولى موكولة الى الإمام دون النبوة فهي فرعها، فقام بها علي عليه السّلام ودعى اليها وقاتل الخوارج المتأولين، فانهم عمدوا إلى آيات من القرآن الكريم نزلت في الكفار واختصت بهم فصرفوها عن محلّ مدلولها وحملوها على المؤمنين واستدلوا عليهم بها» «1».
(٤٣٥)