الوجود فهو علة لما دونه وواسطة في الايجاد، وأن فيه أكثر من جهة واحدة، يصح صدور الكثير منه، لكن الجهات الكثيرة التي فيه لا تبلغ حدا يصح به صدور ما دون النشأة العقلية بما فيه من الكثرة البالغة، فمن الواجب أن يترتب صدور العقول نزولا إلى حد يحصل فيه من الجهات عدد يكافئ الكثرة التي في النشأة التي بعد العقل.
وتتصور هذه الكثرة على أحد وجهين: إما طولا وإما عرضا.
فالأول: - وهو حصول الكثرة طولا - أن يوجد عقل ثم عقل وهكذا. وكلما وجد عقل زادت جهة أو جهات، حتى ينتهي إلى عقل تتحقق به جهات من الكثرة يفي بصدور النشأة التي بعد نشأة العقل، فهناك أنواع متباينة من العقول، كل منها منحصر في فرد، وهي مترتبة نزولا، كل عال أشد وأشرف مما هو بعده وعلة فاعلة تام الفاعلية له، لما أن إمكانه الذاتي كاف في صدوره، وآخر هذه العقول علة فاعلة للنشأة التي بعد نشأة العقل. وهذا الوجه هو الذي يميل إليه المشاؤون (1) فيما صوروه من العقول العشرة ونسبوا إلى آخرها المسمى عندهم ب (العقل الفعال) إيجاد عالم الطبيعة.
والثاني: - وهو حصول الكثرة عرضا - بأن تنتهي العقول الطولية إلى عقول عرضية، لا علية ولا معلولية بينها، هي بحذاء الأنواع المادية، يدبر كل منها ما بحذائه من النوع المادي، وبها توجد الأنواع التي في عالم الطبيعة وينتظم نظامه، وتسمى هذه العقول: (أرباب الأنواع) و (المثل الأفلاطونية) (2). وهذا الوجه هو