تنبيه:
إستدلالهم على الجبر في الأفعال بتعلق علم الواجب (تعالى) بها وتعين وقوعها بذلك، استناد منهم في الحقيقة إلى القضاء العلمي الذي يحتم ما يتعلق به من الأمور، وأما الإرادة التي هي صفة ثبوتية زائدة على الذات عندهم، فإنهم لا يرونها مبدأ للفعل موجبا له، زعما منهم أن وجوب الفعل يجعل الفاعل موجبا (بفتح الجيم) والواجب (تعالى) فاعل مختار، بل شأن الإرادة أن يرجح الفعل بالأولوية من غير وجوب، فللإرادة أن يخصص أي طرف من طرفي الفعل تعلقت به.
وهذه آراء سخيفة تبين بطلانها بما تقدم بيانه من الأصول الماضية (1).
فالوجوب الذي يلحق المعلول وجوب غيري منتزع من وجوده الذي أفاضته علته وهو أثرها، فلو عاد هذا الوجوب وأثر في العلة بجعلها موجبة في فاعليته لزم كون المتأخر وجودا من حيث هو متأخر متقدما على المتقدم وجودا من حيث هو متقدم، وهو محال، على أن الفاعل المختار لو عاد موجبا (بالفتح) بسبب وجوب الفعل لم يكن في ذلك فرق بين أن يستند وجوب المعلول إلى علم سابق وقضاء متقدم أو إلى إيجاب الفاعل للفعل الذي هو مفاد قولنا: (الشئ ما لم يجب لم يوجد).
وأيضا قد ظهر مما تقدم أن الترجيح بالأولوية مرجعه إلى عدم حاجة الممكن في تعين أحد طرفي الوجود والعدم إلى المرجح، لبقاء الطرف المرجوح على حد الجواز مع وجود الأولوية في الطرف الراجح وعدم انقطاع السؤال ب (لم) بعد.
وأيضا الترجيح بالإرادة مع فرض استواء نسبتها إلى طرفي الفعل والترك مرجعه إلى عدم الحاجة إلى المرجح.