جما غفيرا لا يحيط به الاحصاء، وما هي إلا حدود ألحقها بها العلل الناقصة التي تحد الرؤية المذكورة بما تضع فيها من أثر ومنها ما يمنعه الموانع من التأثير.
وهذه الحدود جهات وجودية تلازمها سلوب كما تبين أنفا، ولها صور علمية في نشأة المثال التي فوق نشأة المادة تتقدر بها صفات الأشياء وآثارها، فلا سبيل لشئ منها إلا إلى صفة أو أثر، هداه إليه التقدير.
فإن قلت: لازم هذا البيان كون الإنسان مجبرا غير مختار في أفعاله.
قلت: كلا، فإن الاختيار أحد الشرائط التي يحد بها فعل الإنسان. وقد فصلنا القول في دفع هذه الشبهة في مباحث الوجود (1) وفي مباحث العلة والمعلول (2).
فإن قلت: هلا عممتم القول في القدر، وهو ضرب الحدود للشئ من حيث صفاته وآثاره في علم سابق يتبعه العين حتى يعمم الماهيات الإمكانية، فإن الماهيات أيضا حدود لموضوعاتها تتميز من غيرها وتلازمها سلوب لا تتعداها.
وقد تقدم (3) أن كل ذي ماهية فهو ممكن، وأن الممكن مركب الذات من الايجاب والسلب، فيعم القدر كل ممكن، سواء كان عقلا مجردا أو مثالا معلقا أو طبيعة مادية، ويكون العلم السابق الذي يتقدر به الشئ علما ذاتيا.
وبالجملة يكون القدر بحسب العين هو التعين المنتزع من الوجود العيني والتقدير هو التعيين العلمي الذي يتبعه العين، كما أن المقتضي هو الوجوب المنتزع من الوجود العيني، والقضاء هو الايجاب العلمي الذي يستتبعه، سواء كان من حيث الماهية والذات أو من حيث الصفات والآثار.
قلت: كون الماهية حدا ذاتيا للممكن لا ريب فيه، لكنهم راعوا في بحث القدر ظاهر مفهومه، وهو الحد الذي يلحق الشئ فيما هو موضوع له من الصفات والآثار دون أصل الذات، فلا يعم ما وراء الطبائع التي لها تعلق ما بالمادة.
وغرضهم من عقد هذا البحث بيان أن الممكن ليس مرخى العنان فيما يلحق