بالذات، وعلة علة الشئ علة لذلك الشئ (1)، فما من شئ ممكن موجود سوى الواجب بالذات حتى الأفعال الاختيارية إلا وهو فعل الواجب بالذات معلول له بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط (2).
ومن طريق آخر (3): قد تبين في مباحث العلة والمعلول (4) أن وجود المعلول بالنسبة إلى العلة وجود رابط غير مستقل متقوم بوجود العلة، فالوجودات الإمكانية كائنة ما كانت روابط بالنسبة إلى وجود الواجب بالذات غير مستقلة منه محاطة له بمعنى ما ليس بخارج، فما في الوجود إلا ذات واحدة مستقلة به تتقوم هذه الروابط وتستقل، فالذوات وما لها من الصفات والأفعال أفعال له. فهو (تعالى) فاعل قريب لكل فعل ولفاعله، وأما الاستقلال المترائى من كل علة إمكانية بالنسبة إلى معلولها فهو الاستقلال الواجبي الذي لا استقلال دونه بالحقيقة.
ولا منافاة بين كونه (تعالى) فاعلا قريبا كما يفيده هذا البرهان وبين كونه فاعلا بعيدا كما يفيده البرهان السابق المبني على ترتب العلل وكون علة علة الشئ علة لذلك الشئ، فإن لزوم البعد مقتضى إعتبار النفسية لوجود ماهيات العلل والمعلولات على ما يفيده النظر البدوي، والقرب هو الذي يفيده النظر الدقيق (5).
ومن الواضح أن لا تدافع بين استناد الفعل إلى الفاعل الواجب بالذات والفاعل الذي هو موضوعه كالإنسان - مثلا - فإن الفاعلية طولية لا عرضية.
وذهب جمع من المتكلمين - وهم المعتزلة ومن تبعهم (6) - إلى أن الأفعال