ولقد نظرت فما وجدت أحدا من العاملين يتعصب لشئ من الأشياء إلا عن علة تحتمل تمويه الجهلاء أو حجة تليط بعقول السفهاء، غيركم، فإنكم تتعصبون لأمر لا يعرف له سبب ولا علة: أما إبليس فتعصب على آدم لأصله، وطعن عليه في خلقته، فقال: (أنا ناري وأنت طيني!) وأما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبوا لآثار مواقع النعم فقالوا: (نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين!) فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء بالأخلاق الرغيبة والأحلام العظيمة، فتعصبوا لخلال الحمد: من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام، والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والكف عن البغي، والإعظام للقتل، والإنصاف للخلق، والكظم للغيظ، واجتناب الفساد في والأرض.
واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات (1) بسوء الأفعال وذميم الأعمال، فتذكروا في الخير والشر أحوالهم واحذروا أن تكونوا أمثالهم.
ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي والنكث (2) والفساد في الأرض:
فأما الناكثون فقد قاتلت. وأما القاسطون فقد جاهدت (3). وأما المارقة