مثل ابن العاص وأبي هريرة وحبيب بن مسلمة الفهري والضحاك بن قيس وأضرابهم يكذبون عليا (عليه السلام) في دعواه النص، وأن المنصوص عليه فلان وفلان إلى آخر من يريد معاوية والكذب عند هؤلاء على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) أهون من شرب الماء البارد على الظمآن، وخصوصا فيما يعيبون به على أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل الشام يصدقونهم في جميع ما قالوا لظنهم فيهم الخير فتبطل الحجة عند أهل الشام مع حصول الضرر، فلهذا كله عدل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذكر النص إلى الاحتجاج ببيعة المهاجرين والأنصار له إذ كانت هي النافعة في المقام والمعتبرة عند العوام، وأن معاوية لا يستطيع إنكارها ولا يسعه الطعن فيها ولا يتيسر له إنكار ثبوت الإمامة، لأنه هو وجميع من معه والجم الغفير من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعلونها هي الطريق للإمامة ويثبتون بها إمامة المتقدمين، وبها يتعلق معاوية دعواه الطلب بدم عثمان كما زعم وذلك لتقوم بها عليه الحجة ظاهرا ولا يمكنه المدافعة والممانعة ولا يقبل قوله في علي (عليه السلام) أنه يبرء من الشيخين ويفسقهما، كما أكثر من ذلك في كتبه إلى علي (عليه السلام) وهذه عند أهل الذكي من أعظم الأدلة على بلوغ أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحكم ومعرفة سياسة الأمور الغاية القصوى، ولو جرى على من تقدمه من رعيته ما جرى عليه إذن ما استقر في الإمارة شهرا ولذا لم يتمكن معاوية ابتداء من التخلف عن بيعته (عليه السلام) عند أهل الشام إلا بطلب قتلة عثمان منه، وأنه إذا دفعهم إليه كان أسرع الناس إلى طاعته فتعلق أولا بأمر مقبول عند أهل الشام غير ثبوت إمامة علي (عليه السلام) ونفيها لعلمه أن أهل الشام لا يقبلون منه ابتداء إبطال بيعة الصحابة لمن بايعوه وببطلان ما دعاهم إليه من الطلب بدم عثمان لو صرح أول الأمر بذلك وتيقنه أن عليا (عليه السلام) لا يجيبه إلى ما طلبه على الوجه الذي أراد، لأنه غير جائز شرعا من وجوه لا يحسن هنا بيانها فتتم
(٤٣٠)