المبايعة لدفع اختلاف الناس عليه لا لإحداث إمامته بالبيعة، بل ظاهر الحال أن إمامة علي (عليه السلام) كانت معلومة عند العباس وأراد بالبيعة توكيدها ودفع الاختلاف فيها، أو لأنه خاف أن يسبق سابق بالبيعة لعلمه أن القوم لا يقفون مع قول النبي (صلى الله عليه وآله) في علي ونصه عليه لما ظهر له من الأمارات الواضحة وقرائن الأحوال فأراد السبق بمبايعة علي (عليه السلام) ليستقر أمره فلا تفيد بيعة غيره بعد ذلك في النقض عليه ويزول الاختلاف، وإذا جاز ذلك بطل الاستدلال بالخبر إن صح إذ لا حجة فيه حتى يحصل العلم بأن دعاء العباس عليا (عليه السلام) للبيعة لفقد النص عليه لا لفائدة أخرى، وليس ذلك بحاصل ولا ظاهر إن لم يكن الظاهر من ذلك خلافة، لأن تقديم العباس عليا على نفسه في خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع كونه أسن منه يظهر منه أنه كان لسماع العباس من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن عليا هو خليفته والأحق بمقامه، فكان الخبر لنا لا علينا.
وأما قول أبي بكر وددت أني سألت النبي (صلى الله عليه وآله) الخ فإنه قال ذلك تقريرا لإنكار النص على علي (عليه السلام) وتصنعا منه وتشبيها على من لم يعلم بأنه ما ظلم واحدا بعينه في تقدمه، ولا في استخلافه عمر من بعده ليكون قوله هذا معارضا لدعوى علي (عليه السلام) النص عليه ويستتم له ما أراد من حرمان أهل البيت حقهم من خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ظاهر الأمر عند عامة الناس في جميع الأزمنة لما يعلم من أن أهل البيت إن تمكنوا من الخلافة وقتا من الأوقات واستقرت قدمهم فيها ظهر من ظلمه لهم ما كان مستورا عند العامة، وزال الوثوق به عندهم، وفسد ما دبره ولولا ما ألقاه من الشبه هو وموازروه بالقول والفعل لما خفي على عوام الناس النص على علي (عليه السلام)، ولا أنكره أحد لوضوحه فضلا عن أن يكون خفيا على المجيب وأمثاله من المحققين حتى جادلوا فيه أتم الجدال، وبلغوا في إنكاره إلى الجمع بين الأمور المتناقضة