ناسبين له ما هو منزه عنه، ولكنه كان مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء بالاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويكيد خصمه ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة ويؤدب بالدرة والسوط من يغلب على ظنه أنه يستوجب ذلك، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقون به التأديب كل ذلك بقوة اجتهاده وما يؤدي إليه نظره، ولم يكن أمير المؤمنين يرى ذلك وكان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعداها إلى الاجتهاد والأقيسة، ويطبق أمور الدنيا على أمور الدين ويسوق الكل مساقا واحدا ولا يضع ولا يرفع إلا بالكتاب والنص (1) انتهى وهو صريح فيما ذكرنا سابقا من أن عليا (عليه السلام) لو لم يكن منصوصا عليه لما ادعى أنه أولى بالخلافة من غيره وأحق بمقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون من سواه لأنه لا يرفع ولا يضع إلا بالكتاب والنص، واعتراف من المعتزلي بأن عمر وأصحابه كان دأبهم الاعتماد على آرائهم ورد النصوص بها وعدم التفاتهم إلى حكم الشرع إذا خالف ما يريدون، وإذا كان القوم على هذه لحال فما يمنعهم من مخالفة النص على علي (عليه السلام) وماذا يصدهم عن كتمانه ورده؟ وأي مجال يبقى لاستبعاد ذلك منهم. وديدنهم رد النصوص إذا خالفت اجتهاداتهم؟ وهل يخفى على أحد من أهل الروية مخالفة النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) لرأي عمرو اجتهاده؟ فهو إذن يرى رد النص على علي (عليه السلام) ومخالفته واجبا وليس يجوز لأحد من أتباعه أن يستنكروا منه فعل الواجب عليه باجتهاده، بل يجب عليهم الحكم بأنه يفعله وما يهمله ولازم ذلك أنه أنكر النص على علي (عليه السلام) البتة وهو عين ما ندعي، ولعمري لو لم يكن لنا إلا هذا الوجه لكفانا في الدلالة على مدعانا فكيف والوجوه كثيرة كما
(٤١١)