ثم إن الإمامة تجامع النبوة فإن كل نبي إمام، وقد تكون مجردة عن النبوة كإمامة الأئمة في هذه الأمة لختم النبوة بنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا نبي بعده، والإمامة في النبي من حيث النبوة غير الإمامة من حيث النيابة عن النبي لثبوت الأولى بثبوت النبوة وعدم احتياجها إلى أمر آخر واحتياج الثانية إلى نصب النبي إذ ليس كل نبي نائبا عن الذي قبله وإلا لتعددت النواب لكثرة الأنبياء في الأمم السالفة والمعلوم خلافه، فإن موسى ما كان وصيه إلا يوشع بن نون وداود لم يكن وصيه إلا ابنه سليمان وكذا غيرهما من الأنبياء كل نبي يوصي إلى واحد بعينه فيكون خليفته مع تعدد الأنبياء في تلك الأزمان وإن جميعهم أئمة من حيث النبوة لأن كل نبي إمام وليس كل إمام من حيث النيابة نبيا وإلا لامتنعت الإمامة في نواب نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لامتناع النبوة فيهم ولذا احتاج موسى في استخلافه أخاه هارون إلى نصه عليه بقوله: ﴿اخلفني في قومي﴾ (1) ولم يكف في نيابته عنه كونه نبيا مرسلا معه، فظهر أن الإمامة من حيث النيابة عن الأنبياء منفكة عن الإمامة من حيث النبوة وبالعكس، وأن حيثية أحدهما غير حيثية الأخرى واختلاف الحيثيات كاف في اختلاف الحقائق وتغاير المفهومات وإن اجتمعتا في الوجود في شخص واحد كاجتماعهما في هارون وأشباهه من الأنبياء الذين كانوا نوابا عمن كان قبلهم من الأنبياء بنصبهم لهم واستخلافهم إياهم على أممهم في إنفاذ الأحكام وإقامة أمر الدين كشيث وسام وإسماعيل وإسحاق وغيرهم، وبين الإمامتين عموم وخصوص من وجه.
وأيضا للإمامة مفهومان آخران قال الشيخ أبو علي في مجمع البيان:
" المستفاد من لفظ الإمام أمران أحدهما أنه المقتدى به في أفعاله وأقواله، والثاني: أنه الذي يقوم بتدبير الأمة وسياستها والقيام بأمورها