أظهر الله دينه، ثم أن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد (فذكر خلافة أبي بكر، وعمر) ثم أن الله استخلف عثمان وأيم الله ليوشكن أن تطعنوا فيه طعنة تحلقونه كله (1).
في الكنز المكتوم ناقلا عن العلامة الزرندي من كتاب " الإعلام بسيرة النبي عليه السلام " أنه روى عن عائشة لما حضرتها الوفاة قيل لها: هل ندفنك في روضة النبي (ص) فقالت: بل إدفنوني في (البقيع) مع أخواتي، فإني قد أحدثت أمورا بعده (2).
وفي إزالة الخفاء عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذا الآية " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " إلا أربع سنين (3).
وعن ابن مسعود قال لما نزلت " ألم يأن "، الآية أقبل بعضنا على بعض: أي شئ أحدثنا؟ أي شئ صنعنا؟
عن ابن عباس: قال: إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاثة عشر سنة من نزول القرآن، فقال " ألم يأن "، الآية.
وفي (تاريخ الخلفاء) أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي صالح قال: لما قدم أهل اليمن زمان أبي بكر، وسمعوا القرآن جعلوا يبكون فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قسمت القلوب (4). وكذا في التفسير الكبير للفخر الرازي.
قال العلامة التفتازاني في شرح المقاصد: وأما ما وقع بين الصحابة من المحاربة والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث عليه الحق، والعناد، والحسد، واللداد، وطلب الملك، والرئاسة، والميل إلى اللذات، والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوما، ولا كل من لقي النبي (ص) بالخير موسوما.
أقول: قد ثبت مما ذكرنا من حديث الحوض المتواتر: الأحداث في الدين بعد النبي (ص) قد وقع كثيرا من الصحابة من أكابرهم وأصاغرهم وما استثني منهم أحد، لا أبو بكر (أول الخلفاء)، ولا غيره إلا من رحمه الله عز وجل كما بينا من حديث الموطأ من خطاب النبي (ص) لأبي بكر " لا أدري ما تحدثون بعدي ". وثبت منهم من هتك حرمة عترة النبي، والمنازعات بينهم وترك ضروريات الدين وفرائضهم، والتغير في أحكامه كالاستمساك بالثقلين والمودة في القربى وهما من فرائض الدين (كما مر)، وقد ذم الله سبحانه الأحداث في كل زمان كما قال لقوم لوط " إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين "، وقال النبي (ص): " كل بدعة ضلالة "، الحديث واتبع الناس أهواءهم و " فمن اتخذ الله هواه فقد أضله الله "، و " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " هو من أصناف الشرك، وأيضا قد ثبت أن كل صحابي ليس بمعصوم، ولا كل من رأى النبي وصحبه بالخير موسوما، بل أنهم رجال كسائر الرجال، وفيهم ما فيهم من الحسنات والسيئات،