شاهد على ذلك لجوء الأمة إلى تدوينها، ولو بعد حين!
وقد ظهر من مجموع ما ذكرنا أن الشيخ عبد الغني لم يقدم ما يصلح للتفرقة بين القرآن والسنة، في حكم الكتابة.
فالحق أنه لا وجه للمنع عن كتابة السنة، بل الإسلام - دين المدنية - أكد على الكتابة ومحو الأمية بكل ما لديه من قوة وحول وطول، فبدأ بأعز نصوصه وهو القرآن الكريم، ثم أتبعه بالسنة، فحث على كتابتهما بأوسع نطاق، فسجلهما الصحابة بأمره وإرادته، ولم يألوا بعده جهدا في كتابتهما، لتبقى السنة إلى جنب القرآن، أداة ربانية لهداية البشر، إلى يوم الحشر.
وقد حاول المعلمي - أيضا - التفريق بين السنة والقرآن في حكم الكتابة، فقال: إن القرآن كان يحفظ بطريقين: الأولى: حفظ الصدور، والثانية: بالكتابة.... فأما السنة فمخالفة لذلك في أمور:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعن بكتابتها، بل اكتفى بحفظهم في صدورهم، وتبليغهم منها، أي بنحو الطريق الأول في القرآن.
الثاني: أنها كانت منتشرة لا يمكن جمعها كلها بيقين.
الثالث: أنه لم يتفق لها في عهد الصحابة ما اتفق للقرآن إذ استحر القتل بحفاظه من الصحابة قبل أن يتلقاه التابعون، فإن الصحابة كانوا كثيرا، ولم يتفق أن استحر القتل بحفاظ السنة منهم قبل تلقي التابعين.
الرابع: إنهم إذا هموا بجمعها رأوا أنه لن يكون كما قال عمر في جمع القرآن: هو والله خير، أي خير محض، لا يترتب عليه محذور.