وقد مر بنا الحديث عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال - لكبير رواة عصره أبي بصير -: اكتبوا، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا (1).
فجعل الإمام عليه السلام الكتابة من أقوى وسائل الحفظ على الخاطر، وهذا هو الواقع الذي أكدته التجربة، حيث أن الكاتب للنص يستعمل حين الكتابة عينه التي ترى النص، ويستعمل يده التي تكتب النص، ويتابع بفكره ما يكتبه، فهو في حالة واحدة، يتصل بالنص اتصالات ثلاثة، وهذا يؤدي إلى ثبوت النص في ذاكرته بشكل أقوى، ويتركز على خاطره بشكل آكد.
وبذلك نعرف مدى بعد المانعين للتدوين عن الصواب والحكمة.
وقد أفصح الحفاظ للحديث عن حاجتهم الملحة إلى الكتب، فكم من حافظ كتب الحديث، وكم من كاتب حفظ الحديث؟؟ بل نجد في المؤلفين للكتب الواسعة من هم أكثر الناس حفظا.
قال ابن المبارك: لولا الكتاب ما حفظنا (2).
وقال الشافعي: اعلموا - رحمكم الله - إن هذا العلم يند كما تند الإبل، فاجعلوا الكتب له حماة، والأقلام عليه رعاة (3).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ما رأيت أبي - على حفظه -