سابعا، ما هو دليل الجصاص على التصويب، أي على أصله الذي هو القياس والعمل بالظن؟ الجواب: لم يأت بدليل إلا التهويل بالصحابة، وأنك إن لم تقبل ظنونهم على اختلافها وتناقضها، فأنت تتهم ظنونهم بأنها اختلاف مذموم، وتتهمهم بأنهم مذمومون في القرآن، فأنت من فرق الضلال، لأن الصحابة معصومون واختلافهم كله رحمة، وظنونهم كلها صواب، وكلها دين الله تعالى!
ثامنا، قال الجصاص: (فكيف يجوز أن يكونوا رضي الله عنهم من أهل هذه الآيات فقد وجب باتفاقنا جميعا أن الاختلاف في مسائل الفتيا غير مراد بها ولا داخل فيها).
فدليله أن آيات ذم الاختلاف يستحيل أن تقصد الصحابة، ومقصوده بمسائل الفتيا كل المسائل التي اختلفوا فيها، في أصول الدين، والفقه، والسياسة!
ولا وجه لإصراره على تسميتها مسائل الفتيا إلا قصده التهوين من المسائل التي اختلفوا فيها، وجعلها كالاختلاف في فتوى جزئية بين مجتهدين، كتفاصيل الصلاة مثلا!
تاسعا، كيف يمكن له أن يلتزم بأن اختلافات الصحابة كله صواب، وقد أفتى بعضهم بفسق بعض، وكفره، وقاتل بعضهم بعضا واستحل دمه؟ فهل كل ذلك صواب، وكله دين الله تعالى؟!
وهل أن رفض العترة وسعد بن عبادة وغيرهم لبيعة أبي بكر وعمر، صواب ودين الله تعالى؟
وهل أن اتهام العباس وعلي لعمر وأبي بكر كما ورد على لسان عمر في صحيح مسلم، بأنهما غادران خائنان آثمان، صواب ودين؟! (صحيح مسلم: 5 / 152) وهل يبقى مصداق لقوله: (فإن كانوا كذلك عندكم فقد صرتم إلى مذهب