مسائل الفتيا. فإن كانوا كذلك عندكم، فقد صرتم إلى مذهب الطاعنين في السلف من سائر فرق الضلالة! وليس هذا قول أحد من الفقهاء... فإذا كان المختلفون في مسائل الفقه معذورين ومأجورين، فكيف يجوز أن يكونوا رضي الله عنهم من أهل هذه الآيات، فقد وجب باتفاقنا جميعا أن الاختلاف في مسائل الفتيا غير مراد بها ولا داخل فيها. ولو كانت هذه الآيات موجبة لذم الاختلاف عاما، لوجب أن يكون المختلفون عند الفتاوى في تدبير الحروب مستحقين لحكم هذه الآيات مذمومين باختلافهم). انتهى.
أقول: مع أن الجصاص أدق من السرخسي والآمدي، لكنه كال بالجملة فاعتبر جميع الآيات التي استدلوا بها على بطلان القياس والتصويب نوعا واحدا، ومضمونها أمرا واحدا هو ذم الاختلاف.. ثم أجاب عنها بأن الصحابة قد قاسوا وقالوا بالتصويب، وهم فوق الذم، فيستحيل أن تقصدهم الآيات!!
وهذا تسطيح لا يليق بعالم له دقة نظر! فإن من جملة الآيات التي أوردها هو قوله تعالى: إن الظن لا يغني من الحق شيئا، وهو نهي عن الظن من حيث هو اتباع ظن، لامن حيث أنه يوجب الاختلاف أو الاتفاق! فلماذا لم يجب عنه؟!
ثانيا، إن موضوعه الذي طرحه هو تصويب المجتهدين وتخطئتهم، أي هل يصح أن نسمي اجتهاد كل منهم صوابا، ونقول إنهم جميعا أصابوا حكم الله تعالى، لأن الحكم في علم الله متعدد بعدد اجتهاد المجتهدين إلى يوم القيامة؟ أم نقول إن حكم الله واحد، وقد يصيبه بعضهم أو يخطؤه، أو كلهم؟!
وهذا لا علاقة له مباشرة بذم الاختلاف في الفتيا وعدمه، فكان اللازم أن يبحث قوله تعالى: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. (النساء: 82)، وهل تدل الآية وأمثالها على أن عدم الاختلاف في حكم الله تعالى بسبب وحدته وعدم