تعدده بتعدد ظنون المجتهدين، أم لسبب آخر؟ ولكنه أهمل هذا أيضا!
ثالثا، أن التصويب والتخطئة لا يختصان بالفتيا فلماذا حصرهما بها؟ فهما يشملان كل عمل بالظن، وقد مثلوا للقياس ببيعة عمر لأبي بكر، وبيعة أبي بكر لعمر، وليست البيعة من الفتيا، وقد اعترف بذلك الجصاص حيث قال: (فتضمنت هذه الآيات النهي عن الاختلاف والتفرق نهيا عاما في الأصول والفروع)!
أما إن اعتبر الجصاص كل الظنون نوعا من الفتيا، فقد جعل تحريم اتباع الظن في القرآن والسنة لاغيا، ولم يبق له موضوعا! فأين موضوعه؟!
رابعا، لم يجب على إشكال النظام وهو من أقوى النقوض على القياس الذي هو أصل التصويب، حيث قال النظام: (والشارع قد رأيناه فرق بين المتماثلات، وجمع بين المختلفات، وهو على خلاف قضية العقل، وذلك يدل على أن القياس الشرعي غير وارد على مذاق العقل، فلا يكون العقل مجوزا له).
ويكفي مثالا له إشكال الإمام الصادق عليه السلام على أبي حنيفة، الذي أخذ منه النظام، من أن المرأة تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة مع أن الصلاة أهم، ويجب الغسل من الجنابة ولا يجب من البول، مع أن البول أرجس من المني!
خامسا، خلط الجصاص بين القياس والتصويب، وأجاب على الإشكال على القياس والعمل بالظن، ولم يجب على التصويب أبدا!!
سادسا، اكتفى الجصاص بدل البحث العلمي بإصدار فتوى بالتصويب، وأن جميع اجتهادات المجتهدين، المختلفة، المتعددة، المتعارضة، المتناقضة، هي دين الله تعالى وحكمه لعباده، فقال: (والصحيح أنه دين الله تعالى)، ولم يبين معنى فتواه، ولا تصوره للتصويب ولا دليله! فأين البحث العلمي وحتى الظني؟!