وبذلك قفز الرازي ثلاث خطوات على غير أرض صلبة:
ففي الأولى، فرض أن المجتهد يعرف علة الحكم ومناطه! مع أنه صرح بأن معرفة علل الأحكام الشرعية محال، إلا ما نص عليه الشارع!
قال في المحصول: 1 / 111، في جعل الزنا علة للحد: (الثالث الشرع إذا جعل الزنا علة فإن لم يصدر عنه عند ذلك الجعل أمر البتة، استحال أن يقال إنه جعله علة للحد لأن ذلك كذب، والكذب على الشرع محال).
وقال في نفس الصفحة: (القياس لا يفيد ظن الحكم إلا إذا ظننا كون الحكم في الأصل معللا بالوصف الفلاني، وذلك الظن محال، لما سيأتي في الباب الثاني أن تعليل الحكم الشرعي محال). انتهى.
وفي الخطوة الثانية، ادعى أن المجتهد يحصل له العلم من غير طريق القياس بوجوب العمل برأيه عن طريق القياس الظني، وهو محل الكلام، فأين دليله!
وفي الثالثة، ادعى أن ظن المجتهد باشتراك أمرين في المناط والحكم، يتحول إلى علم ويقين! فهل رأيت بذرة أكبر من ثمرتها، أو نتيجة أصدق من مقدماتها.. إلا عند هؤلاء الظنيين؟!
على أن كلام الفخر الرازي هذا عن علمية القياس جاء في أول كتابه، لكنه تنازل عنه عندما وصل إلى بحث القياس في المجلد الخامس ص 122، فقال:
(إن القياس قد يكون يقينيا وقد يكون ظنيا، أما الأول فكمن علم علة الحكم في الأصل ثم علم حصول مثل تلك العلة في الفرع). انتهى.
فقد اعترف بأن القياس العلمي هو القياس على منصوص العلة فقط، وهو مذهبنا! ولا نطيل في نقد كلامهم في المسألة فهو كثير متشابه، يكفي منه ما تقدم.