فلو كان الأمر بالإتعاظ وأخذ العبرة أمرا بالقياس، فكل أمر بالتفكر والتدبر والتأمل وحساب العاقبة، أمر بالقياس!!
قال الراغب في المفردات ص 320: (والاعتبار والعبرة بالحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد، قال: إن في ذلك لعبرة.. فاعتبروا يا أولي الأبصار). انتهى.
فكل انتقال من حدث مشاهد إلى غيره اعتبار، وبالمعنى المجازي قياس، وقد يكون قياسا منطقيا، فهل كل قياس مجازي أو منطقي هو قياسهم الفقهي الظني؟! وهل منه قياس الثوب والمساحة أيضا؟!
* * وقد أطالوا في الإستدلال بهذه الآية إلى حد الإسراف والتمحل، وكتبوا فيها مئات الصفحات، وخصص لها الفخر الرازي في المحصول من علم الأصول، اثنتي عشرة صفحة (5 / 26 - 37)! قال: (أما الكتاب فقوله تعالى: فاعتبروا يا أولى الأبصار، وجه الإستدلال به أن الاعتبار مشتق من العبور وهو المرور..... والقياس عبور من حكم الأصل إلى حكم الفرع، فكان داخلا تحت الأمر)!! انتهى.
فكيف قبل عقل هذا الفيلسوف أن الأمر بالعبور الفكري من شئ إلى شئ، ومن حدث إلى نتيجة، هو أمر بالقياس الفقهي؟!
وكيف عبر هو من أمر عام بالتفكير، إلى نوع خاص من التسرية الظنية للحكم إلى مظنون المشابهة والعلة؟! أليس ذلك قياسا مضحكا؟!
وقال الآمدي في الإحكام: 4 / 152: (والمعتمد في ذلك، الإحتجاج بقوله تعالى: فاعتبروا يا أولي الأبصار، أوجب الاعتبار، وأراد به القياس)!!
وقال الجصاص في أحكام القرآن: 3 / 573: (والقياس في أحكام الحوادث ضرب من الاعتبار). (راجع أيضا: 4 / 31، وأصول السرخسي: 2 / 106، و 125، والمستصفى ص 293).