وقال: إياكم والمقاييس، فما عبدت الشمس إلا بالمقاييس.
وقال ابن عمر: ذروني من أرأيت وأرأيت!
وكذلك أنكر التابعون القياس قال الشعبي: ما أخبروك عن أصحاب أحمد فاقبله، وما أخبروك عن رأيهم فألقه في الحش! إن السنة لم توضع بالمقاييس. وقال مسروق بن الأجدع: لا أقيس شيئا بشئ أخاف أن تزل قدم بعد ثبوتها).
ثم انظر كيف نفوا ما أثبتوه، وأبطلوا ما أصلوه!
قال البيهقي في سننه: 10 / 117، بعد أن روى قول عمر المتقدم: (وإنما أراد به والله أعلم، الرأي الذي لا يكون مشبها بأصل، وفي معناه ورد ما روي عنه وعن غيره في ذم الرأي فقد روينا عن أكثرهم اجتهاد الرأي في غير موضع النص!). انتهى.
ومعنى كلام البيهقي: أن الظن المنهي عنه في القرآن غير ظن القياس، وكأن ظن القياس علم ويقين! ثم اعترف البيهقي بأن نهي عمر عن الظن والرأي ثابت، لكن لما عمل عمر نفسه بالرأي والظن، فنحن نأخذ بما عمل، ونترك ما قال!
وقال الغزالي في المستصفى ص 290: (بينا بالقواطع من جميع الصحابة الإجتهاد والقول بالرأي، والسكوت عن القائلين به، وثبت ذلك بالتواتر في وقائع مشهورة كميراث الجد، والإخوة، وتعيين الإمام بالبيعة، وجمع المصحف، والعهد إلى عمر بالخلافة. وما لم يتواتر كذلك، فقد صح من آحاد الوقائع بروايات صحيحة لا ينكرها أحد من الأمة، ما أورث علما ضروريا بقولهم بالرأي، وعرف ذلك ضرورة، كما عرف سخاء حاتم وشجاعة علي، فجاوز الأمر حدا يمكن التشكك في حكمهم بالاجتهاد.
وما نقلوه بخلافه، فأكثرها مقاطيع ومروية عن غير ثبت، وهي بعينها معارضة برواية صحيحة عن صاحبها بنقيضه، فكيف يترك المعلوم ضرورة بما ليس مثله!