وقال الجصاص في الفصول: 4 / 31، مستدلا بالآية على القياس: (فدل على أن الاعتبار هو أن تحكم للشئ بحكم نظيره المشارك له في معناه، الذي تعلق به استحقاق حكمه. فإن قيل: الاعتبار هو التفكر والتدبر. قيل له: هو كذلك، إلا أنه تفكر في رد الشئ إلى نظيره على الوجه الذي قلنا، ألا ترى أنك تقول قد اعتبرت هذا الثوب بهذا الثوب، إذا قومته بمثل قيمته. فكان المعنى أنك رددته إليه وحكمت له بمثل حكمه، إذ كان مثله ونظيره. وحكى لي بعض أصحابنا عن أبي عبد الله بن زيد الواسطي قال: رأيت القاساني وابن سريج قد صنفا في القياس نحو ألف ورقة، هذا في نفيه وهذا في إثباته، اعتمد القاساني فيه على قوله تعالى: أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم، واعتمد ابن سريج في إثباته على قوله تعالى: فاعتبروا يا أولي الأبصار)! انتهى.
فانظر إلى قول الآمدي عن الاعتبار في الآية: (أوجب الاعتبار وأراد به القياس)! وقول الجصاص: (إلا أنه تفكر في رد الشئ إلى نظيره على الوجه الذي قلنا)!
فأين يوجد في الآية أن التفكر المأمور به فيها هو عينه القياس الفقهي (على الوجه الذي قلنا)؟!! وأي سفسطة حكاها عن ابن سريج وأنه كتب نحو خمس مئة ورقة في الإستدلال بالآية على القياس؟!
ونعم ما قاله ابن حزم في رد القياس كما في المحلى: 1 / 57: (ومن العجيب أن يكون معنى الاعتبار القياس ويقول الله تعالى لنا: قيسوا، ثم لا يبين لنا ماذا نقيس، ولا كيف نقيس، ولا على ماذا نقيس)!! انتهى. (راجع للتوسع: الذريعة في أصول فقه) للسيد المرتضى: 2 / 710، والأصول العامة للفقه المقارن للسيد محمد تقي الحكيم ص 334).