فما دام قتل الأسرى واجبا كما قال عمر، وما دام الذي عصى واستبقاهم غير النبي صلى الله عليه وآله، والنبي معذور لأنه انشغل عن إصدار الأمر بقتلهم، فما باله استبقاهم بعد نزول آية التوبيخ، وبعد إقراره لعمر بخطئه؟!
ثم ما باله بعد أن قعد يبكي هو وأبو بكر خوفا من نزول العذاب، عصى ربه مرة أخرى وساق الأسرى معه مقيدين، ووكل غلامه شقران بسوقهم؟!
إنك تشعر أن تبرئة النبي صلى الله عليه وآله لا يهمهم، فالمهم عندهم إثبات فضيلة لعمر! لذلك يحكمون بخطأ النبي صلى الله عليه وآله وارتكابه المعصية في أسر الأسرى القرشيين المحترمين وفدائهم، وترى التقي فيهم يحاول تبرئته صلى الله عليه وآله بما يخطر بباله ولو بالتخبط، لكنهم مجمعون على تأكيد إصابة عمر وخطأ النبي صلى الله عليه وآله! لاحظ حديثهم المزعوم: (فقال رسول الله (ص): (إن كاد ليصيبنا في خلاف ابن الخطاب عذاب، ولو نزل عذاب ما أفلت إلا عمر)!! فالمطلوب تفضيل عمر على النبي صلى الله عليه وآله، ولو بالطعن في النبي صلى الله عليه وآله!!
وقد استنكر أهل البيت عليهم السلام هذا الطعن وردوه، وحتى المأمون العباسي في مناظرته لعلمائهم: (قال آخر: قد قال النبي (ص): لو نزل العذاب ما نجى إلا عمر بن الخطاب. قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضا، لأن الله تعالى يقول لنبيه: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، فجعلتم عمر مثل الرسول.
قال آخر: فقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.
فقال المأمون: لو كان هذا كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي أنت من أهل الجنة ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة ولم يصدق النبي (ص)، فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟!)! (عيون أخبار الرضا: 1 / 203)