وقال الجصاص في أحكام القرآن: 3 / 94: بعد ذكر حديث عمر المزعوم في بكاء النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر: (وذكر في حديث عبد الله بن مسعود وابن عباس الآخر أن الوعيد إنما كان في عرضهم الفداء على رسول الله (ص) وإشارتهم عليه به، والأول أولى بمعنى الآية، لقوله تعالى: لمسكم فيما أخذتم، ولم يقل فيما عرضتم وأشرتم، ومع ذلك فإنه يستحيل أن يكون الوعيد في قول قاله رسول الله (ص) لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ومن الناس من يجيز ذلك على النبي (ص) من طريق اجتهاد الرأي! ويجوز أيضا أن يكون النبي (ص) أباح لهم أخذ الفداء، وكان ذلك معصية صغيرة! فعاتبه الله والمسلمين عليها).
وقد حاول القرطبي أن يبعد التوبيخ عن النبي صلى الله عليه وآله فجعله على الذين أشاروا عليه ثم على الذين باشروا الحرب، ثم جعله على النبي صلى الله عليه وآله واعتذر عنه بأنه انشغل عن الإثخان بالحرب، وعن قتل الأسرى!
قال في تفسيره: 8 / 45: (والمعنى: ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي (ص) أسرى قبل الإثخان، ولهم هذا الأخبار بقوله: تريدون عرض الدنيا. والنبي (ص) لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب، ولا أراد قط عرض الدنيا، وإنما فعله جمهور مباشري الحرب، فالتوبيخ والعتاب إنما كان متوجها بسبب من أشار على النبي بأخذ الفدية.
هذا قول أكثر المفسرين، وهو الذي لا يصح غيره. وجاء ذكر النبي (ص) في الآية حين لم ينه عنه حين رآه من العريش، وأذكره سعد بن معاذ وعمر بن الخطاب وعبد الله بن رواحة، ولكنه عليه السلام شغله بغت الأمر ونزول النصر، فترك النهي عن الاستبقاء، ولذلك بكى هو وأبو بكر حين نزلت الآيات)!! انتهى.
فانظر إلى هذا التناقض الواضح والتخبط الفاضح، الذي وقع فيه مفسروهم!