ومع ذلك زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعمل بظنونه ويخطئ!
قال الجصاص في أحكام القرآن: 2 / 349: (قوله تعالى: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله.. الآية. فيه إخبار أنه أنزل الكتاب ليحكم بين الناس بما عرفه الله من الأحكام والتعبد..... ربما احتج به من يقول إن النبي (ص) لم يكن يقول شيئا من طريق الإجتهاد، وأن أقواله وأفعاله كلها كانت تصدر عن النصوص وأنه كقوله تعالى: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وليس في الآيتين دليل على أن النبي لم يكن يقول شيئا من طريق الإجتهاد، وذلك لأنا نقول ما صدر عن اجتهاد فهو مما أراه الله وعرفه إياه ومما أوحى به إليه أن يفعله فليس في الآية دلالة على نفي الإجتهاد عن النبي (ص) في الأحكام). انتهى.
أقول: إذا أردت أن تفهم كلام الجصاص وغيره في الموضوع، فعليك أن تضع بدل كلمة الإجتهاد: الظن والقياس. فمقصوده من قوله: (لأنا نقول ما صدر عن اجتهاد فهو مما أراه الله وعرفه إياه)، أن الله تعالى يري نبيه الحكم علما أحيانا ويأمره بالعمل به، فيعمل بعلم ولا يخطئ، ويريه الحكم ظنا أحيانا أخرى ويأمره بالعمل به، فيعمل بالظن ويخطئ!!
فأي إراءة هذه؟! وهل يبقى قيمة لقوله تعالى: لتحكم بين الناس بما أراك الله..
وهل تبقى ميزة للرسول صلى الله عليه وآله عن غيره من أهل العلم والإصابة أحيانا، وأهل الظن والخطأ أخرى؟!
وبعد أن خرب الجصاص آية: لتحكم بين الناس بما أراك الله، عمد إلى آية (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) فحاول تخريبها بجرأة فاضحة!!
قال في الفصول: 3 / 243: (فأما قوله تعالى: وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فإن فيه جوابين: أحدهما، أنه أراد القرآن نفسه، لأنه قال تعالى: والنجم