على غيره، فكان جائزا عليه، لأن ما جاز على أحد المثلين يكون جائزا على الآخر. وأما السنة، فما روي عن النبي عليه السلام، أنه قال: إنما أحكم بالظاهر، وإنكم لتختصمون إلي ولعل أحدكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشئ من مال أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار. وذلك يدل على أنه قد يقضي بما لا يكون حقا في نفس الأمر. وأيضا ما روي عنه، عليه السلام، أنه قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني. وأيضا ما اشتهر عنه عليه السلام، من نسيانه في الصلاة وتحلله عن ركعتين في الرباعية، في قصة ذي اليدين، وقول ذي اليدين: أقصرت الصلاة أم سهوت؟ فقال النبي عليه السلام: أحق ما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم).
وفي أصول السرخسي: 2 / 90: (وأصح الأقاويل عندنا أنه عليه السلام فيما كان يبتلى به من الحوادث التي ليس فيها وحي منزل، كان ينتظر الوحي إلى أن تمضي مدة الانتظار، ثم كان يعمل بالرأي والاجتهاد ويبين الحكم به، فإذا أقر عليه كان ذلك حجة قاطعة للحكم). انتهى.
ثم ذكر السرخسي أخطاء النبي صلى الله عليه وآله المزعومة في أسارى بدر، ومشورته أصحابه يوم الخندق، ونهيه عن تلقيح النخل حتى خرج شيصا... وقال: (فتبين أن الرأي منه كالرأي من غيره في احتمال الغلط). وذكر نحوه في: 16 / 69، ونحوه الشوكاني في نيل الأوطار: 1 / 128، وابن حجر في الفتح: 3 / 313، و: 9 / 381، و: 13 / 248، وغيرها!!
أقول:
إن المتأمل في آراء أئمة مذاهب الخلافة، يدرك كم هي المأساة في التنقيص من شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله ومن قدر الإسلام الذي أنزله الله تعالى! كل ذلك من أجل تبرير عمل أشخاص وصلوا إلى السلطة بالقوة، ولم يكن عندهم علم، فعملوا بظنونهم وفرضوها على المسلمين، ووظفوا علماء يبررون لهم ظنونهم، باتهام النبي صلى الله عليه وآله بأنه كان مثلهم يعمل بظنونه فيخطئ ويصيب!!