الحدوث بحدوث البدن، وثبت أن هذا البدن يعدم، فوجب أن يعدم ذلك الجوهر لعدم شرطه. وسنبين أن المعدوم لا يعاد، فلو كان الإنسان عبارة عن هذا الجوهر لوجب أن يمتنع عوده على تقدير عدمه، فوجب أن لا يصل الثواب والعقاب إلى مستحقهما، وهو غير جائز من الحكيم. وسنؤكد ذلك بالكلام على أدلتهم في إثباته وبقائه.
وبمثل هذا البيان بطل أن يكون الإنسان عبارة عما تركب من هذه الأقسام لعدم المركب لعدم جزء وامتناع إعادة المعدوم.
وإذا بطلت الأقسام الثلاثة بقي أن يكون جسما، ومحال أن يكون عبارة عن هذا الهيكل المحسوس بما فيه أيضا، لأن كل عاقل يعلم بالبديهة أن بدنه زمان الشيخوخة غيره زمان الصغر، وذلك لأن البدن ينتقل من الهزال إلى السمن ويتحلل بسائر أنواع التحللات، فلو كان الإنسان عبارة عن هذا الهيكل لزم في كل يوم أن يخرج الإنسان عن كونه انسانا ويحدث مثله، وذلك جهالة.
وإذا بطل ذلك بقي أن يكون عبارة عن أجزاء فيه أصلية باقية من أول العمر إلى آخره لا يجوز عليها التبدل والتغير والعدم، لما بيناه وهو المطلوب.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن أكثر العالم متفقون على القول بالمعاد، وهو إما أن يكون جسمانيا فقط وهو قول أكثر المتكلمين، أو روحانيا فقط وهو قول كثير من الفلاسفة الإلهيين، أو جسمانيا وروحانيا وهو قول كثير من المحققين.
وأنكره الطبيعيون من قدماء الفلاسفة. ونقل عن جالينوس التوقف، فإنه قال لم يظهر لي أن النفس غير المزاج، فبتقدير أن يكون الإنسان عبارة عن المزاج - وهو مما يعدم بالموت - فيمتنع إعادته، وبتقدير أن يكون أمرا وراء المزاج يجوز بقاؤه بعد فناء المزاج كان المعاد ممكنا، فلذلك توقف.