(أحدهما) لو لم يكن الحشر والنشر حقا لبطل الثواب والعقاب المستحقان بالطاعة والمعصية والاحسان والإساءة، لكن اللازم باطل فالملزوم كذلك.
بيان الملازمة: إنا نرى المطيع والعاصي يدركهما الموت من غير أن يصل إلى أحد منهما ما يستحقه من ثواب أو عقاب، فإن لم يحشرا ليوصل إليهما ذلك المستحق لزم بطلانه أصلا.
وأما بطلان اللازم: فلأن ذلك ظلم وتبعة لا يجوز أن على الصانع الحكيم، وقد أكد الله تعالى هذه الحجة بآيات من القرآن، كقوله تعالى " إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى " (1) وقوله تعالى " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا " إلى قوله " كالفجار " (2).
(الثاني) أن يقال: إنه تعالى خلق الخلق إما للراحة أو للتعب والألم أو لا لواحد منهما، والثاني باطل لقبحه وامتناعه من الغني الحكيم الرحيم، والثالث باطل لكونه سفها وعبثا يمتنع من الحكيم أيضا، فبقي أن يقال إنما خلقهم للراحة وهي إما أن تصل إليهم في الدنيا، وهو باطل لأن كل ما يعتقد في الدنيا لذة فإنما هو دفع للألم، كالذي يظن من لذة الأكل فإنما هو دفع ألم الجوع، فلذلك فإنما ألذ لقمة تؤكل هي الأولى لشدة ألم الجوع هناك، وكل لقمة تأخرت فهي أقل لذة لضعف ألم الجوع هناك، وكذلك سائر اللذات الحاصلة في هذا العالم. وبتقدير أن يحصل في هذا العالم لذة فإنها قليلة والغالب إما الآلام أو دفعها، وليس من الحكمة تعذيب الحيوان بنيران الآلام والمكروهات لأجل الفوز بذرة من اللذات، فإذن ليس المقصود من خلق الإنسان إيصال الراحة إليه في