(أحدها) أنه عبارة عن رفع مثل الحكم الثابت بالنص المتقدم بنص آخر متراخ عنه على وجه لولاه لاستمر ذلك الحكم ودام.
ثم إن التكليف بذلك الحكم تابع للمصلحة على ما مر، ولا يمتنع أن يصير ما هو مصلحة في وقت مفسدة في وقت آخر، وجواز صيرورته كذلك يستلزم جواز نسخه، وإلا لكان التكليف به على تقدير صيرورته مفسدة تكليفا بالقبيح الممتنع على الله تعالى.
(الثاني) إنا قد دللنا على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، ولا شك أن شريعته مستلزمة لنسخ كثير من أحكام الشرائع السابقة، فقد ثبت وجود النسخ، وهو مستلزم لجوازه.
(الثالث) إنه كان من شريعة آدم عليه السلام جواز تزويج الأخ بالأخت، ثم رفع ذلك الحكم.
وحجة من منع منه عقلا أنه يستلزم البداء المستلزم للجهل الممتنع على الله تعالى.
وحجة المانعين منه سمعا ما روي عن موسى عليه السلام أنه قال: تمسكوا بالسبت أبدا. وقوله: شريعتي لا تنسخ.
وجواب الأول: لا نسلم أنه مستلزم للبداء، لأن البداء يستلزم اتحاد الوقت والفعل والمكلف ووجه التكليف، وظاهر أن النسخ ليس كذلك، لعدم بعض الشرائط.
وعن الثاني: لا نسلم صحة الخبر.
سلمناه، لكن لا يفيد اليقين، لجواز أن يريد بقوله " أبدا " المدة الطويلة أو الممكنة لوجود مخصص.