إذا انتقل من حيزه إلى حيز جوهر آخر فذلك الآخر إما أن ينتقل إلى حيز الأول أو إلى حيز جوهر ثالث، والأول باطل لأن انتقال كل منهما إلى حيز الآخر يصير مشروطا بانتقال الآخر إلى حيزه، فيكون حركة كل منهما مشروطة بما هو مشروط بها، فيكون شرطا في نفسها هذا محال. والثاني أيضا باطل، لأن الكلام في انتقال الثالث كالكلام في الثاني، فأما أن يلزم كون الشئ شرطا في نفسه أو أن يدافع الجواهر بعضها بعضا إلى نهاية أجسام العالم، فيلزم من حركة البقة في الهواء والسمكة في عمق الماء أن تتحرك كرة العالم بأسرها، وهو باطل بالبديهة. وأما حقية الملزوم فقد سبق بيانها.
حجة الخصم في نفي الخلاء: لو كان الخلاء موجودا لكانت الحركة فيه إما أن تقع في زمان أو لا تقع، والقسمان باطلان، فوجود الخلاء باطل.
أما الملازمة فظاهرة، وأما بطلان القسم الأول فلأنا نعلم بالضرورة أن المتحرك فيه كلما كان أدق كانت الحركة فيه أسرع، وبالعكس. ونسبة الرقة إلى الغلظ كنسبة السرعة إلى البطء، فلو فرضنا ملاء ارق من الماء بحيث يكون نسبة رقته إلى رقة الماء كنسبة زمان الحركة في الخلاء إلى زمان الحركة في الماء لكانت الحركة مع العائق كهي لا مع العائق. هذا محال. وأما بطلان الثاني:
فلأن كل حركة فعلى مسافة، فتكون الحركة إلى نصفها سابقة على الحركة إلى كلها، والسبق والتأخر من لواحق الزمان، وكل حركة واقعة في زمان.
والجواب: لا نسلم وجود ملاء نسبة رقته إلى رقة الماء كنسبة زمان الحركة في الخلاء إلى زمانها في الماء حتى تكون الحركة مع العائق فيه كهي لا مع العائق. وبيانه: أن الحركة تستدعي لذاتها قدرا معينا من الزمان بناء على القول بالجوهر الفرد. ثم لا بد لها من قدر آخر بسبب المعاوق في الملاء الرقيق،