بلغة الفقيه - السيد محمد بحر العلوم - ج ٣ - الصفحة ٢٠
عدم تجدد مال له بعد التصرف حتى يتدارك به حق الوارث فيما تصرف فيه.
وفيه: أن شرط الصحة وفاء الثلث به عند الوفاة، لا حين التصرف، وأصالة سلامة المال لا يثبت بها عنوان الوفاء عند الوفاة، لأنها من الأصول المثبتة التي لا معول عليها (1).
(١) المتيقن إن الشارع المقدس يأمر بعدم نقض اليقين والمضي عليه إلا بيقين مثله. وذلك هو معنى أصل الاستصحاب. أي أنه يوجب ترتيب آثار الشئ المتيقن الثابتة بواسطة اليقين، وتلك الآثار لا بد أن تكون هي الآثار الشرعية المجعولة من قبل الشارع لأنه هو الآمر بترتيبها ولأنها هي القابلة للجعل الشرعي دون غيرها من الآثار العقلية والعادية.
وعليه فإن المتيقن المستصحب: إما أن يكون نفسه حكما " من الأحكام الشرعية المجعولة من قبل الشارع كوجوب شئ أو حرمته أو إباحته وأمثالها، وإما أن يكون من الموضوعات الخارجية أو اللغوية ونحوهما كحياة زيد وموته، وكرية الماء ورطوبة الإناء وغير ذلك مما هو سوى الأحكام الشرعية ومعنى الاستصحاب في القسم الأول هو أن المجعول في زمان الشك حكم ظاهري مساو للحكم المتيقن في زمان اليقين في جميع الآثار المترتبة عليه، وذلك هو معنى وجوب البقاء عليه.
وأما في القسم الثاني فليس المجعول في زمان الشك جميع الآثار المترتبة على المتيقن في زمان اليقين، بل المجعول الآثار الشرعية منها فقط دون العقلية والعادية ودون ملزوماته وما هو ملازم معه لملزوم ثالث يشتركان في الترتب عليه وغير ذلك، فاستصحاب حياة زيد مثلا معناه الأمر بوجوب ترتيب الآثار الشرعية فقط التي كانت في حال اليقين حال الشك كصيانة أمواله وحرمة تزويجزوجته وأمثالهما، وليس معناه ترتيب جميع الآثار حتى العادية والعقلية كاستمرار نموه ونبات شعره ونحوهما على أنه ربما يترتب على تلك الآثار العادية حكم شرعي كما لو نذر الصدقة عند نبات شعر ولده، ولكن المستصحب هو الحياة، فلا بد أن يكون المترتب عليها مباشرة هي الآثار المجعولة شرعا ". وما سوى ذلك من ترتب الآثار العادية أو العقلية هي المصطلح عليها بالأصول (المثبتة) التي لا يعول عليها الشارع الآمر بالاستصحاب. وتأتي في التطبيق على ما نحن فيه فنقول: إن سلامة المال من التلف ليس بنفسه حكما " شرعيا " حتى يصح استصحابه على ضوء القسم الأول، بل هو من الموضوعات الخارجية، وعليه فوفاؤه بالثلث وسعته له ليس من الآثار الشرعية للسلامة ليصح استصحابه على ضوء القسم الثاني منه. وإنما ذلك أثر عادي ولازم خارجي للمال لا ينتهي إلى الشارع بصلة حتى يأمر بترتيبه على المال حال الشك، كما كان حال اليقين، إلا على تخريج الأصل المثبت غير المعتبر شرعا " كما عرفت هذا بإيجاز، وللتفصيل مظانه من كتب الأصول.