بلغة الفقيه - السيد محمد بحر العلوم - ج ٣ - الصفحة ١٢
أن يعطي فرسا " من أفراسه أو كتابا " من كتبه، للمنع عن التصرف فيه الموجب لعدم انعقاد النذر عليه فيما زاد على الثلث إلا بالإجازة.
ومنه يظهر الوجه في التفصيل فيما لو اشترى من ينعتق عليه في مرضه بين ما لو اشتراه بثمن في الذمة فإن الثمن دين والانعتاق قهري بحكم الشرع، وما لو اشتراه بعين من أمواله، فإن الانعتاق وإن كان قهريا " إلا أن الثمن مفوت على الوارث، فينفذ من ثلثه، وفي الزائد يتوقف على الإجازة، من غير فرق بين كون الشراء بملزم كالنذر أو بغير ملزم في الصورتين.
ودعوى أن بذل الثمن المعين فيه إنما هو بإزاء ما يساويه في القيمة ومثل هذه المعاوضة ينفذ من الأصل بلا خلاف، لعدم المحاباة فيه:
(مدفوعة) باتحاد المناط بينه وبين المحاباة في صدق التفويت عرفا " عند الاقدام على هذه المعاوضة بعد احراز عدم سلامة المعوض له فتأمل.
ولو تصدق طلبا " للعافية لا لرجاء الثواب فكبذل الأجرة للطبيب وشراء الدواء في نفوذه من الأصل أيضا ".
بل ينفذ منه أيضا " بذل كل ما تعود منفعته لنفسه كمؤونته ومؤونة عياله وأضيافه ولو بنحو التوسعة، كما لو وقع منه ذلك في حال الصحة، بلا خلاف أجده فيه. ولو أجاز المريض المعقود على ماله فضولا بما يفيد التمليك بالمحاباة أو مجانا ". بناء على جريانه في غير البيع أيضا "، نفذ من الثلث على القول به، بناء على النقل، وكذا على الكشف لو وقع العقد في المرض أيضا ولو وقع قبله فالأظهر ذلك أيضا " لكون الاستناد إلى المالك إنما هو بالإجازة الواقعة في المرض، لا سيما على الكشف الحكمي. ويحتمل نفوذه من الأصل فيه على الكشف الحقيقي (1)

(١) أي بناء على جريان العقد الفضولي في غير البيع من أنواع العقود كما هو الصحيح لانطباق الأدلة عليه.
أقول: ذكر فقهاؤنا رضوان الله عليهم في كتاب البيع من موسوعاتهم الفقهية: أن من جملة شروط المتعاقدين أن يكونا نافذي التصرف فعلا وفرعوا على ذلك مسألة عقد الفضولي وهو الشخص الثالث الكامل التصرف، غير المتعاقدين وهو: إما أن يعقد للمالك، أو لنفسه، والأول:
فقد يسبقه منع المالك، وقد لا يسبقه.
والقدر المتيقن من شمول أدلة الجواز والصحة هو الفضولي العاقد للمالك غير المسبوق بالمنع، وإن قيل بالبطلان لأدلة ضعيفة.
وأما في صورة سبق المنع من المالك، فالقول بالبطلان معروف، وإن كان الأقوى والأشهر الصحة أيضا " لشمول الأدلة العامة له.
وكذلك الكلام في الصورة الثالثة المتمحضة في الغاصب غالبا " فقد اشتهر القول بالطلاق لعدة أدلة، ولكن الحق والأشهر هو الصحة لمشموليته أيضا " للعمومات غير المفرقة بين المقامين.
هذا وقد اختلفوا في أصل جواز عقد الفضولي وعدمه مطلقا "، والتفصيل المذكور بين العاقد للمالك بقسميه جوازا "، ولنفسه منعا "، والتفصيل بين العقود جوازا "، والايقاعات منعا "، إلى غيرها من الخلافات المفصلة في بابها من كتب الفقه ولكل قول أدلة ومؤيدات، لا يسع المجال استعراضها.
والظاهر كما تعضده الأدلة المفصلة في مضانها صحة عقد الفضولي بل وايقاعه أيضا "، للعمومات الشاملة لجميع الأنواع، ولخصوص بعض الأدلة الواردة في موارد التفصيل المذكورة.
وكذلك بناء على صحة الفضولية لا فرق بين كون الثمن شخصيا "، أو كليا " في ذمة الأصيل، كما لا فرق أيضا " في صحة الفضولي بين العقود اللفظية أو المعاطاة على القول بإفادتها للملك في نفسها.
ولا بد أن يتعقب عقد الفضولي بناء على جوازه مطلقا " أو على بعض التفصيلات الآنفة الذكر: أما إجازة المالك ذلك العقد بحكم كونه أحد طرفيه، فيصح، وأما الرد، فيبطل. فالكلام بإيجاز إذا حول الإجازة، والمجيز، والمجاز، فنقول:
أما الإجازة بالنسبة إلى عقد الفضولي، فلا بد من حصولها في تصحيحه:
أما بناء على كونها جزء السبب في التأثير، أو شرط الصحة على غرار الشرط المتأخر بناء على امكانه في نفسه أو شرطية وصف التعقب المقارن العقد كما ستعرف وعلى كل فقد اختلفوا في تخريج ارتباط الإجازة المتأخرة بالعقد المتقدم على أقوال.
الأول النقل، أي أنها ناقلة ومصححة للعقد من حين صدورها من المالك، ولا تترتب آثار العقد من النقل والانتقال والثمرات الأخرى إلا من حين صدورها، لا من حين صدور العقد، حتى كأن العقد الصحيح وقع من الآن، لا من ذي قبل.
هكذا قبل في تصوير النقل، وإن أشكل عليه بلزوم تأثير المعدوم، فإن العقد المتقدم حال الإجازة المتأخرة معدوم، وليست الإجازة تمام السبب في النقل، بل هي إما جزؤه مع العقد، أو شرط صحته، وتمام السبب هو العقد.
ولكن الحق صحة التصوير ودفع الاشكال بأن العقد ليس نفس الألفاظ حتى ينعدم بتصرم الزمن، وإنما هو المعنى الاعتباري الحاصل من الألفاظ إلى حين الإجازة، فهي ليست لاحقة بأمر معدوم، وليس للأمر المعدوم وهو الألفاظ أي صعيدية في ترتب الآثار والأحكام.
الثاني الكشف، بمعنى أن الإجازة المتأخرة كاشفة عن صحة العقد السابق، وباعثة على ترتب الآثار من حينه، لا من حينها، حتى كأن الإجازة وقعت مقارنة للعقد.
وربما قيل بامتناع الكشف على هذا التصوير لاستلزامه القول بالشرط المتأخر، وهو محال التعقل كتأثير المعدوم، وتقدم المعلول على علته، ولكن الحق امكان تصور الشروط المتأخرة في التشريعيات كالتكوينيات ولذلك عدة تخريجات، منها على رأي المحقق الخراساني قدس سره في كفايته: من أن العلة في الأمور الاعتبارية التي لا وجود لها إلا بمنشأ انتزاعها ليس إلا لحاظ ما هو منشأ الانتزاع، فكما يمكن لحاظ المقارن يمكن لحاظ المتقدم والمتأخر على حد سواء. ومنها على رأي صاحب الفصول على ما حكي عنه من أن شرط الصحة في العقد الفضولي، هو وصف تعقب الإجازة، لأنفسها، وهذا الوصف والعنوان حاصل حين العقد، فليس من قبيل الشرط المتأخر واقعا ".
ويظهر من القائلين بالكشف أنهم صوروه بتصويرات ثلاثة.
كشف حقيقي بمعنى أن الإجازة المتأخرة تكشف عن تأثير العقد من حين تحققه تأثيرا " تاما "، وهو القول المشهور بين الفقهاء الذين يتهضمون تأثير الشرط المتأخر بالرغم من تأخر زمانه.
وكشف تعبدي، وهو نفس الأول مع تخريج التأخير بتصور اللحاظ كما عليه الآخوند أو التعقب كما عليه الفصول وذلك مذهب غير المتهضمين لتأثير الشرط المتأخر من الفقهاء فهما بحسب الواقع معنى واحد، وإن اختلفا بحسب المبنى، والتخريج.
وكشف حكمي، وهو معنى وسط بين الكشف الحقيقي، والنقل، والتفصيل بين آثار العقد وأحكامه في ترتيب بعضها من حيث العقد وتعطيل بعضها الآخر إلى حين الإجازة، فالإجازة المتأخرة لا تؤثر بالنقل والانتقال في الملكية من حين العقد، ولكنها تؤثر من حينه في النماءات غير المملكة، فهو من حيث ترتب النماءات غير المملكة، كشف حقيقي، ومن حيث عدم ترتب ملكية المبيع إلى المشتري الأصيل، نقل حقيقي، ولهذا كان وسطا " بين الاثنين.
وهناك ثمرات وآثار تختلف في ترتبها باختلاف المباني في الإجازة بين الكشف بأنواعه والنقل، ولعل من أهمها موضوع النماءات الحاصلة بعد العقد، فبناء على الكشف الحقيقي والتعبدي هي لمن انتقلت العين إليه، وهو المشتري الأصيل، وعلى الكشف الحكمي والنقل هي لمن انتقلت عنه، وهو المالك.
وهناك ثمرات بين أنواع الكشف والنقل ذكرت في أبوابها من كتب الفقه، لا يسعنا استعراضها في هذا المجال.
ثم إن الأنسب بالقواعد من أقوال الإجازة هو النقل ثم الكشف الحكمي ثم التعبدي. وأما الحقيقي مع اعتبار الإجازة جزء سبب أو شرطا " للتأثير، فمشكل بدون تأويل وتخريج كما عرفت والإجازة من المالك قد تكون بالقول الصريح مثل (أجزت وأمضيت) ونحوهما، وقد تكون بغيره، كالكتابة والإشارة والفعل، وكل ما يدل بصراحة على الرضا بمضمون العقد.
ولا تورث الإجازة، لأنها من الأحكام ومن شؤون السلطنة على الملك، وليست من الحقوق القابلة للإرث. وينبغي مطابقة الإجازة للعقد المجاز، اطلاقا " وتقييدا " من حيث الثمن والمثمن، والاعتبارات الأخر، لأنها من متمماته، سواء قلنا بكونها جزء سبب أو شرطا " في الصحة.
ويشترط في الإجازة: أن لا يسبقها الرد من المالك، لأنها تجعل المجيز أحد طرفي العقد، فلا بد من تحقق رضاه به، ومع سبق الرد لا يتحقق ذلك.
ولا تعتبر الفورية فيها، بل للمالك حق الإجازة أو الرد في أي وقت شاء، بحكم ارتباط العقد به، ولصدق العمومات عليه كآيتي البيع، والعقود في أي وقت، غاية الأمر أن ينفتح باب خيار الفسخ للمشتري الأصيل عند تضرره بالتأخير.
وأما المجيز وهو المالك فلا بد من كونه جائز التصرف بالبلوغ والعقل، والاختيار وعدم الحجر المالي لفلس أو سفه ونحوهما أو مرض موت بناء على عدم نفوذ منجزات المريض من الأصل كما هو الحق في المسألة بلا فرق في ذلك بين البناء في الإجازة على الكشف بأنواعه أو النقل.
وهل يكفي توفر ذلك الشرط وهو جواز التصرف حين الإجازة، أم لا بد من تحققه حين العقد أيضا "؟ قولان في المسألة:
والظاهر كفاية توفره حين الإجازة فقط، وإن كان حين العقد ممنوع التصرف، فلو كان محجورا " حين العقد، وارتفع حجره حين الإجازة صحت إجازته، بخلاف العكس، إذ الملاك صحة تصرفه فيما يؤول إليه من التصرفات بالخصوص، فإن الإجازة تصرفه، والعقد تصرف غيره.
وأما المجاز وهو عقد الفضولي فلا كلام لنا في اعتبار ما يعتبر في غيره من العقود اللفظية، لأنه من مصاديقها، بحكم الأدلة المجوزة وإنما الكلام في أن الشروط ههنا هل يعتبر اجتماعها في العقد حين العقد، أم حين الإجازة؟، أم من زمان العقد إلى زمان الإجازة؟ وجوه ثلاثة في المسألة؟
والتحقيق كما يترائي من أدلة المقام التفصيل بين الشروط، فبعضها دخيل في ماهية العقد وتقومه كالقصد والعقل والتمييز والبلوغ على القول به في المتعاقدين، وكالمالية والملكية في العوضين، وكالتنجيز والعربية بناء عليها في ألفاظ العقود، فهذه ونحوها لا بد من اعتبارها في حال العقد، إضافة إلى حال الإجازة، إذ بدونها يختل صدق العقدية حينئذ، وعقد الفضولي كما هو الحق هو العقد المتكامل القابل للتأثير لولا رضا المالك.
وبعض الشروط ليس لها دخالة في تقوم العقد ككون المعاملة غير غررية أو غير ربوية وكون العوضين غير نجسي العين أو محرمين كالخمر وآلات القمار، ونحو ذلك، فلا حاجة إلى توفرها حين العقد، بل بكفي توفرها حين تحقق الإجازة، وإن كانت حين العقد مفقودة.
(وفي كتاب البيع من الموسوعات؟ الفقهية بحوث مفصلة وفروع مفيدة في الإجازة والمجيز والمجاز لا يسع المقام ذكرها).
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»
الفهرست