وفي جملة منها: إنه بعد أن اعترفوا له بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قال:
" من كنت مولاه فعلي مولاه "، فجعل له الولاية التي جعلها له الله والتي اعترف له بها المسلمون، وبعد أن استمعوا لهذا البيان، لم يرتابوا في أنه قد نص على استخلافه بتلك الصيغة. وكان الرأي العام الإسلامي بعد وفاة الرسول متجها نحو علي (عليه السلام)، ولم يكن التسابق الذي حصل بين المهاجرين والأنصار عليها بمجرد أن أعلن نبأ وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا لسد الباب في وجه الأكثرية التي لا تعدل بعلي (عليه السلام) أحدا من الناس، ولذا أصيب الجمهور بما يشبه الدهشة لهذا التسابق والتزاحم بين الأنصار من جهة وبين المهاجرين من جهة أخرى، والنبي لا يزال بين أهله مسجى على فراش الموت، وعلي وبنو هاشم وجماعة من أجلاء الصحابة منصرفون عن دنيا الناس إلى تجهيزه لمقره الأخير، وقد تمت البيعة لأبي بكر بتلك السرعة الخاطفة. وحينما انتهى علي (عليه السلام) من تجهيز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستسلم لسطوة الحاكم الجديد ولم ترهبه الجماهير المحتشدة به، فوقف يناضل ويدافع عن حقه السليب، ووقف إلى جانبه عدد من أعيان الصحابة، ولكنه بعد أن رأى الإصرار على موقفه السلبي قد يؤدي إلى نتائج يجني ثمارها أعداء الإسلام، آثر عند ذلك أن يكون مع جماعة المسلمين يدا واحدة حرصا على المصلحة العليا للمسلمين.
ومهما كان الحال، فالتشيع بمعناه المعروف عند الفقهاء والمتكلمين والمحدثين، والذي تتميز به هذه الفرقة عن فرق المسلمين، ولد في حياة الرسول نتيجة لتلك النصوص التي أوردها المحدثون في كتبهم، ومع إن الأحداث فرضت على علي (عليه السلام) أن يتساهل ويتسامح، ولكن فكرة استخلافه لم تنته عند هذا الحد، وما كان التسامح ليحد من نشاطها، بل أخذت طريقها في النفوس والقلوب، وتضاعف عدد المتشيعين له على مرور الأيام، ورجع كثير من المسلمين إلى الماضي القريب