كانت مخاطبا بنداء من جميع الجهات وكأنها تعبر من نفسها بجواب. فلما شملتني أنوار الهيبة وأحاطت بي أنوار العزة والجبروت علمت أني مخاطب من جهة الحق.
ولما كان أول الخطاب (إني) ثم بعده (أنا) علمت أنه ليس لأحد أن يخبر عن نفسه باللفظتين جميعا متتابعا إلا الحق. فأدهشت وهو كان محل الفناء. فقلت:
أنت أنت الذي لم تزل ولا تزال ليس لموسى معك مقام ولا له جرأة الكلام إلا أن تبقيه ببقائك وتنعته بنعتك فتكون أنت المخاطب والمخاطب جميعا فقال: لا يحمل خطابي غيري ولا يجيبني سواي وأنا المتكلم وأنا المكلم وأنت في الوسط شبح يقع بك محل الخطاب (١).
﴿فاخلع نعليك﴾ (٢)، قال جعفر: اقطع عنك العلائق فإنك بعيننا.
﴿ولي فيها مآرب أخرى﴾ (٣)، قال جعفر: منافع شتى وأكبر منفعة لي فيها خطابك إياي بقولك ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ (٤).
﴿واحلل عقدة من لساني﴾ (5)، قال جعفر: لما كلم الله موسى عقد لسان موسى عن مكالمة غيره. فلما أمره بالذهاب إلى فرعون ناجاه بسره فقال (واحلل عقدة من لساني) لأكون قائما بالأمر على أتم مقام.