الأول حقيقة، وهو دليل تفصيلي على المدعى.
هذا، لكن الإنصاف فساد هذا التفصيل كفساد مبناه، وهو كون الموضوع في الوجوب الغيري هو ما يترتب عليه ذو المقدمة، فإن موضوعه - على ما نجد من أنفسنا بعد المراجعة إلى عقلنا الذي هو المرجع في محل النزاع كما رجع إليه ذلك المستدل أيضا - هو عنوان المقدمة - أي ما يتوقف عليه الواجب - كما ذكرنا في التنبيه المتقدم من غير تقييد العقل إياه بالتوصلي الفعلي إلى ذي المقدمة.
نعم هو غرض العقل في ذلك الأمر الغيري المقدمي، بمعنى أن العقل - بعد ملاحظة الواجب وملاحظة أنه لا يحصل إلا بأمور - يحكم بلزوم الإتيان بتلك الأمور بعنوان كونها مقدمات للواجب لغرض التوصل بها إلى الواجب، فحيثية التوصل الفعلي وإن كانت ملحوظة عند العقل، إلا أنها تعليلية، لا تقييدية كما زعمها المستدل، فحينئذ إذا وجدت المقدمة فهي متصفة بالوجوب سواء تعقبها ذوها، أو لا، فإن الاتصاف يدور مدار انطباق الفرد الموجود على المأمور به، والمفروض - على ما حققنا - أنه هو الشيء بعنوان كونه مقدمة، والمفروض الإتيان به على هذا الوجه، فيكون منطبقا عليه ومتصفا بالوجوب جدا.
وكان منشأ اشتباه الحال على المستدل أنه رأى أنه لو أتى بالمقدمة ولم يتعقبها ذوها لكانت () هي خالية عن الفائدة، فزعم أن العقل لا يطلب ما يكون كذلك، ولم يتفطن أن الغرض غير المأمور به، وأن كل واحدة من المقدمات لما لم تكن علة تامة لحصوله فلو تحققت واحدة منها وحدها لتجردت عن تلك الفائدة.
وبالجملة: منشأ اشتباه الأمر زعم كون الغرض من قيود المأمور به، وقد عرفت فساده.