أيضا مع القصد المذكور أن تأذن له في الترك أيضا، فيؤل إلى أن قصدك أيضا الرجوع عن هذا الطلب وعدم إبقائه على حاله، فيكون هذا الطلب مشوبا بقصد الرجوع والإذن، وفائدة الطلب حينئذ تنبيهه على ميلك إلى الفعل المأمور به، فإن الطلب كاشف عنه جدا، لكن لا يكون ارتفاعه مستلزما لارتفاعه قطعا، فيكون حاصل الأمر الندبي بعد الإذن هو مجرد الميل إليه من دون تحريك.
وكيف كان فهنا أمران: الطلب والإذن في الترك، ولا ريب أن الصيغة بنفسها لا تنهض على إفادة الثاني، بل لا بد في ذلك من إيراد دال آخر من القرائن البتة.
هذا بخلاف ما لو أمرته بالأمر الوجوبي، فإن قصدك حينئذ إنما هو الطلب مع عدم قصد الرجوع عنه، فيكون مفاد الصيغة حينئذ هو الطلب الخالص عن شوب الإذن في الترك، ولا ريب أنه يكفي في إفادته الصيغة بنفسها من دون حاجة إلى إيراد دال آخر، فإذا أطلقت الصيغة فهي تفيد الطلب، ومع عدم اقترانها بالإذن في الترك يكون مفادها هو الطلب الخالص، وهو الوجوب.
فإذا عرفت فنقول: إن وجه انصراف الطلب المستفاد من الصيغة عند إطلاقها وتجريدها عن القرينة إنما هو تجريدها وإطلاقها من القيد.
وبعبارة أخرى: إنا بعد ما فرضنا أن الصيغة بمجردها تكفي - إذا لم تنضم إليها قرينة - تكفي في إفادة الوجوب حيث إنها دالة على الطلب، وإذا لم يلحقه الإذن في الترك فيكون خالصا عن شوبه، فيتعين في الوجوب، لأنه الطلب الخالص عنه، هذا بخلاف الندب، فإن فصله وهو الإذن في الترك لا بد في تفهيمه من قرينة خارجية غير الصيغة، فحينئذ إذا ورد أمر مطلق مع إحراز أن الآمر قاصد به التفهيم، وأنه في صدد تفهيم غرضه المقصود، فيقال: إنه لو كان مراده الندب لأقام القرينة على الإذن، وإلا لزم إخلاله بغرضه، فإذا لم يقم - كما هو المفروض - فلا بد أن يكون مراده هو الطلب مع عدم الإذن في الترك، فيتعين هذا