وصفة أزلا وأبدا، بحيث يكون ايجاد كل شئ وقيامه وحياته وجميع جهاته وشؤونه بيد قدرته وأسمائه وصفاته - نعلم حينئذ أن لجميع المخلوقات، جهتين وصورتين:
ملكية، وملكوتية. صورتها الملكية: هي التي تكون مشهودة عيانا ونراها بالعيون الظاهرة. وحقيقتها الملكوتية: هي التي بها قيام الصورة الملكية. وهي في الحقيقة صفاته وأسمائه تعالى التي ليست منفكة عن ذاته سبحانه. وهذه لا تشاهد ولا ترى إلا بعين القلب وحقائق الايمان.
فظهر بهذا البيان الموجز معنى لفظ " الملكوت " المستعمل في هذه الفقرة من الحديث وغير واحد من آيات الكتاب العزيز والروايات والأدعية. وهذا المعنى جار أيضا في لفظتي " الوجه " و " الأمر " في نحو قوله تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا) * (1) وقوله تعالى: * (ألا! له الخلق والامر) * (2) وقوله تعالى: * (يسئلونك عن الروح. قل: الروح من أمر ربى) * (3) ولزيادة تبيين معنى " الملكوت "، ينبغي لنا أن نتأمل في قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام حيث قال. * (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض، وليكون من الموقنين) * (4) ونتأمل أيضا في كلام إبراهيم عليه السلام حيث قال بعد أفول آثار الملك:
* (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين) * (5) حتى يتضح معنى الملكوت ببيان قدمناه.
توضيح ذلك: أن الله سبحانه أراد إرائة ملكوت كل شئ ومخلوق لإبراهيم عليه السلام في أول أمره حتى يكون من الموقنين، حيث قال: " وكذلك نرى إبراهيم...) *